الزبد، فلم يبق حياً قوياً على فشو العجمة وشيوع الجهالة غير هذين النوعين الأصيلين، يجريان على الأقلام الموهوبة مجرى الطبع، ويفعلان بالنفوس الشاعرة فعل السلاف، ويحفظان للأسلوب العربي روحه الذي عاش عليه وفنه الذي خلد به. والناس لا يكرهون السجع لأنه سجع، ولا البديع لأنه بديع، وإنما يكرهون التكلف والتمويه والبهرج وتنميق الألفاظ على المعنى التافه، وترصيع الأسجاع في الكلام الغث، كل يكرهون الزخرف المنمنم على الجدار المنهار، والحلة الموشاة على الجسد المسلول. لكنك إذا تدبرت ما كتبناه في حد البلاغة وتعريف الأسلوب، ووعيت ما قلناه في معنى الأصالة ومدلول الوجازة، وكان لك الطبع الذي صقله الأدب، وجلته الفطنة، وأسعفته الملكة، أمنت الكلمة التي لا تقع في موضعها من الجملة، والصناعة التي لا يقوم على أساس من الطبع والذوق، والحلية التي لا تساعد الأسلوب على التأثير والإبانة. وإذن يكون ما تنتج هو الجمال، وما تنتج هو الفن.