وقد ثقل على الفلاح دفع ضرائب الأطيان، وآدته الديون، فانتزعت منه المصارف والمرابون أطيانه، وبيعت بالمزاد الجبري مواشيه وآنية بيته؛ ولولا صدور تشريعات صيانة الثروة العقارية لوقع أغلب فلاحينا في الإفلاس التام
وكان من جراء ذلك أن ضعفت القوة الشرائية لدى الفلاح وهو الذي يكون ٨٠ في المائة من مجموع الشعب، فكسدت أسواق المطالب الزراعية من آلات وأسمدة وغيرها، وخلت أسواق الملابس والحاجيات البيتية من روادها الفلاحين الذين كانوا يفيضون عليها الحياة. فنضب النشاط التجاري، وتعطلت بالتالي الأيدي العاملة، ومن ثم انتشر الفقر، وفاض القلق والاستياء في النفوس. وتطلع الناس إلى إصلاح النظم الاجتماعية أو تبديلها. وفي غمرة العوز والسخط ود بعضهم لو اشتعلت الحرب لعلها تأتيهم بخير، أو لعلها تكون أرحم بهم ذبحاً، أو لعلها تأكل الناس جملة فيستريحوا.
وحالة انخفاض الأسعار أو انكماشها أو إقامة النقد على قاعدة الذهب تقع غالباً كلما وضعت الحروب أوزارها
فالفلاح إبان الحروب يشتري ما يلزمه من بذور وأسمدة وآلات ووقود بأسعار مرتفعة جداً هي وليدة التضخم النقدي وهو يدفع أجور الأيدي العاملة على هذا الأساس، وإذا اقترض أموالاً فإن فوائدها - على الأرجح - تكون مرتفعة تبعاً للحالة
فإذا دخلت الدول المتحاربة في السلم هبطت أسعار المحاصيل هبوطاً بالغ الشدة حتى لتعجز عن تعوض بعض مصاريف الإنتاج
فلو أن فلاحاً مصرياً اقترض مثلاً في سنة ١٩٤٤ مبلغ ١٢٠٠ جنيه لكفاه وقت الاقتراض للوفاء بهذا الدين ١٥٠ قنطاراً، ولكن هذا القدر من القطن لن يفي بالدين إذا جاءت السلم، بل قد لا يفي ضعفه؛ وهنالك يعمد الفلاح إلى إنقاص الأجور، ويعمل على خفض قيم الإيجار. يفعل ذلك ابتغاء تفادي الخسارة أو تخفيفها، ولكن عبثاً ما يحاول، إذ يتقرر عندئذ زيادة قيمة العملة إلى ما يوازي ضعف أو ثلاثة أمثال قيمتها في وقت الحرب فيتلاحق التدهور، ويقع الفلاح في أزمات عصبية تهدم كيانه المالي، ولا يجد سبيلاً إلى سداد ديونه التي تكون قيمتها الشرائية قد زادت كثيراً عما كانت عليه وقت الاستدانة