للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الحالة الخطيرة يجب أشد الوجوب اتقاؤها حتى لا ينخفض مستوى المعيشة بعد الحرب، وتقع في حالة الانكماش التي بسطنا آنفاً مظاهرها السيئة. والذي أعتقده أن لابد لذلك من وضع نظام تثبيت الأسعار للسلع الزراعية في الحرب والسلم على السواء بحيث تكون مجزية للفلاح، أي بحيث تكفل له الربح المعقول، على أن يقترن هذا النظام بحماية الإنتاج الأجنبي أسوة بما يصنع غيرنا من الدول من مثل إنجلترا التي ظلت تحمي صناعة سكر البنجر زمناً غير قصير حتى أمكن وقوف هذه الصناعة على قدميها بلا سند

وبالنسبة للقطن المصري بالذات أقترح أن تضمن الدولة لمنتجه سعراً يحقق له الربح المناسب. ولإمكان ذلك يجب العمل على زيادة الصناعات القطنية، وذلك بتشجيعها وحمايتها من الصناعات القطنية الأجنبية كما ذكرت، مع تخفيف الضرائب عنها تخفيفاً يطرد باطراد الزيادة في الإنتاج، أي مع مراعاة (القلة التصاعدية) في فرض الضرائب

وظاهر أن هذه الحماية ستكفل امتصاص مقدار وفير من قطننا في مصانعنا، ولذلك أثره الأدبي والاجتماعي الباهر في حياتنا. بيد أن الأخذ بهذه المقترحات لا بد له من رأس مال يكفي لتمويل ثلث المحصول على الأقل، فكيف السبيل إلى هذا المال وأبواب الصرف في ميزانيتنا تكاد تلتهم كل ما يجئ من أبواب الإيراد؟

أقترح أن ينشأ لهذا المشروع صندوق خاص يدعى صندوق القطن على نمط صندوق الفرنك الذي أنشئ في فرنسا عام ١٩٢٨، وتؤدي إلى صندوق القطن هذا كل المبالغ التي تمت إلى هذه السلعة بأية صلة، مثل أموال التأمين الإجباري على القطن، وجملة الرسوم الجمركية على الأقطان المصدرة، وضريبة الأرباح الاستثنائية التي تحصل من المغازل المحلية ومن بيوت التصدير، وفروق أسعار الاستيلاء على البذرة. . . الخ.

وأرى أن تبادر وزارة المالية بإنشاء هذا الصندوق من الآن ورب معترض يقول إن تدبير المال اللازم للأخذ بهذه الفكرة ليس بالأمر الهين، فنجيب هؤلاء بأن لا ضير أبداً من توفية ما يستلزمه الصندوق من مبالغ مهما تكن الوسيلة. ذلك أن الأمر أمر المحصول الأول للبلاد الذي هو عماد الاقتصاد فيها والمال - على غير ما كان يظن الاقتصاديون القدامى - يجب أن يسخر لخدمة المصالح الاقتصادية وليس العكس. وما النقد - كما يعبر - إلا خادم للبشرية وليس سيدها

<<  <  ج:
ص:  >  >>