الأدباء فألفوا جمعية سموها (بالجمعية الخيرية الإسلامية) سنة ١٢٩٦ آخر سني إسماعيل باشا في الحكم وجعلوه مدير مدرستها. ثم عزل الخديو وتولى ابنه توفيق باشا، ففرح الناس وظنوا انفراج الأزمة. وجد المترجم واجتهد في إنجاح مسعاه في الجمعية حتى حمل الخديو على زيارة مدرستها، فزارها يوم امتحان تلاميذها، وجعلها في حماية ولي عهده عباس بيك، وأنعم لهم بالمدرسة البحرية يدرسون بها، وأجروا عليها من الحكومة مائتين وخمسين ديناراً في السنة مساعدة. وطفق المترجم يؤلف القلوب ويحض الأهلين على الالتئام بالمقالات والخطب ينفثها قلمه ولسانه، وألف قصة تمثيلية سماها (الوطن وطالع التوفيق) وأخرى سماها (العرب) شرح فيهما ما كانت عليه حالة القطر وما طرأ عليه، ثم مثلهما هو وتلاميذه بأحد ملاعب لثغر بحضور الخديو، فكان لهما تأثير كبير في النفوس، واشتهر المترجم وعلا كعبه، ولهج الناس بذكره، ثم طرأ فساد على الجمعية سبوه إليه فانفصل منها، وكان شرع في إنشاء صحيفة سماها (التنكيت والتبكيت) مزج فيها الهزل بالجد، ظهر أول عدد منها في ٨ رجب سنة ١٢٩٨، وظهر في أثناء ذلك وميض الثورة العرابية من خلل الرماد، فوافقت هوى في نفس المترجم لميله إلى الشهرة وبعد الصيت، فضموه إليهم وشدوا أزرهم به، فملأ صحيفته بمحامدهم، ودعا إلى القيام بناصرهم، وخطب الخطب المهيجة ونظم القصائد الحماسية، وندب الوطن ورثاه، وحض على الاجتماع والتكاتف ونبذ أضاليل الإفرنج، فأثرت قالته في النفوس وأشربتها القلوب، وادعى الشرف وانتسب إلى الإمام الحسن السبط رضي الله عنه، والله أعلم بتلك النسبة، فقد رأيت كثيرين ممن عرفوه ينكرونها. ثم أوقف صحيفته بعد أن ظهر منها ثمانية عشر عدداً آخرها تاريخه ٢٣ ذي القعدة سنة ١٢٩٨ وكانت أسبوعية تظهر يوم الأحد. وانتقل إلى القاهرة وهي جذوة من نار، وغير اسم صحيفته بأمر عرابي باشا كبير الثوار فسماها (الطائف) تيمناً باسم بلدة بالحجاز مشهورة، وتفاؤلاً بأنها تطوف المسكونة كما جابتها جوائب احمد فارس. واسترسل المترجم مع رجال الثورة حتى صار جذيلها المحك، وعذيقها المرجب، ولقبوه بخطيب الحزب الوطني. وقام سراة القطر وأعيانه يعقدون المجتمعات ويولمون الولائم للعرابيين ويدعون المترجم للخاطبة، فكانت له بها المواقف المشهودة، والأيام المعدودة، حتى استفحل الأمر وقامت الحرب بالإسكندرية بين الإنكليز والمصريين يوم الثلاثاء ٢٥