للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شعبان سنة ١٢٩٩. فسافر المترجم إليها مع جماعة من رؤساء الجند وبات بها ليلة، ثم لحق بعرابي باشا وقد انهزم إلى كفر الدوار، ثم انتقل معه إلى التل الكبير وهو ينشئ صحيفة الطائف بالمعسكر فيضمنها أخبار الانتصار ويحشوها بالأكاذيب تهدئة للأفكار، حتى وقعت الهزيمة الكبرى على المصريين بالتل الكبير، ففر عرابي باشا وعلي باشا الروبي ومعهما المترجم إلى القاهرة يوم الأربعاء ٢٩ شوال من السنة المذكورة، واتفقوا على إرساله إلى الإسكندرية بكتاب يطلبون به العفو من الخديو فسافر به يوم الخميس، ولما وصل إلى كفر الدوار بلغه القبض على زعماء الثورة ودخول الإنكليز القاهرة. فعاد إليها ليلا وبقى في داره بجهة العشماوي إلى الصباح، وخرج مع والده وخادمه فركبوا عجلة وقصدوا بولاق، ورآه شاهين أفندي فؤاد المفتش بالمصرف العقاري، وهو من مماليك عباس باشا وآلي مصر فظنه غير مطلوب، قال ولولا ذلك لقبضت عليه. فلما وصلوا إلى بولاق ودعه أبوه واختفى هو وخادمه ولم يظهر لهما أثر، فأقام مختفياً نحو تسعة أعوام لا يهتدي إلى مكانه، وقد أعيى الحكومة المصرية أمره حتى جعلوا ألف دينار لمن يرشد إليه، وبثوا عليه العيون فلم يظفروا منه بطائل، فلما أعيتهم الحيل حكموا عليه بالنفي مدة حياته من القطر المصري، ويئس أصحابه من وجوده، وأشيع القبض عليه وخنقه سراً، ومنهم من أشاع موته حتف أنفه، ومنهم من أشاع هربه إلى بلاد الإفرنج، فعد اختفاؤه من الأمور الغريبة، ولا غرو فأمره غريب من أوله.

القبض عليه

وكان يتردد على بلدة الجميزة (مركز السنطة) رجل يقال له حسن الفرارجي كان منتظماً في العسكر، ثم استخدم جاسوساً سرياً، فأبصر رجلاً أنكر حاله لما رآه عليه من سيما الاختفاء، ورجح أنه عبد الله نديم، فكتب إلى الديوان الخديوي ينبئهم بوجود رجل من العرابيين مختف بالجميزة، وأسرع إلى ديوان الداخلية فأوضح لهم أمره فأعطوه ورقة بحليته، فلما تحقق منه أخبرهم به، فأمروا بالقبض عليه، وحضر من المديرية محمد أفندي فريد وكيل (الحكمدار) ومعه نفر من الشرطة ستروا ملابسهم بثياب أخرى، فأحاط بعضهم بالبلدة متفرقين، وصعد وكيل الحكمدار مع الآخرين على تل مشرف على أفنية الدور، وأحسن المترجم بتلك الحركة، فأوجس في نفسه خيفة، وأراد الانتقال إلى دار أخرى فأخذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>