عيبته على، كتفه وصعد على سطح المكان فأبصره الذين على التل، فصاحوا وصوبوا بنادقهم عليه، وأمروه بالنزول فنزل، ثم أحاطوا بالدار، وطرقوا الباب طرقاً عنيفاً وأيقن المترجم انه مأخوذ لا محالة، ففتحه لهم، وواجههم متجلداً، فسأله محمد أفندي فريد عن اسمه فقال له: سبحان الله أتجهل اسمي وأنت مأمور بالقبض عليّ، أنا عبد الله نديم ذو الذنب العظيم، وعفو مولاي الخديو أعظم، سلمت أمري لله، فقبضوه هو وخادمه وأعماهم الله عن كتبه وأوراقه، ولولا ذلك لأصابه شر عظيم بسبب أهاجيه القبيحة في الخديو وأسرته، وكان القبض عليه في ٢٩ صفر سنة ١٣٠٩، ولم ينل الواشي به شيئاً من الجعل لفوات الأجل المضروب للمكافأة، ثم استاقوهما إلى المركز، وسألوه عمن اختفى عندهم، فلم يقر بأحد، وسألوا خادمه وضربوه، فأقر بالبعض ونقلوهما إلى المديرية بطندتا، فسجنا بعض أيام، ووكيل النيابة بالمحاكم يوالي سؤالهما، وانتهى الأمر بعفو الخديو عنه وعمن آواه ونفيه خارج القطر.
نفيه
فاختار يافا ثغر القدس الشريف ووصلها في غروب يوم الجمعة ١٢ ربيع الأول، ونزل عند السيد علي أفندي أبي المواهب مفتيها، ولما دخل دارهوعرفه بنفسه قام واعتنقه وضحك وبكى. فأقام عنده شهراً، ثم اتخذ له داراً وعرفه أعيانها وفضلاؤها، وأكرموه وواسوه جزاهم الله خيراً. ثم رحل رحلته إلى نابلس وسبطيه وقلقيلا وغيرها من البلاد الفلسطينية. واجتمع بطائفة السامرة واطلع على كتبهم ومعتقداتهم كما رأيته بخطه في كتابه أرسله لأحد أصدقائه في مستهل رمضان. ولم يزل مقيما بيافا حتى مات الخديو وتولى ولده عباس باشا في جمادى الثانية، فعفا عنه وأباح له العود إلى مصر. قال في آخر ذلك الكتاب (عزمنا على الحضور بعد العيد إن شاء الله تعالى، فإن موسم سيدنا موسى الكليم يعمل في نصف شوال، ولا أحضر حتى أزوره مرة ثانية فإنه صاحب الأمر بالعفو عني، وإن كان الظاهر خلافه، وذلك أني عند دخولي حضرته الشريفة أنشدته في الحال:
رجوتك يا كليم الله حاجا ... أرجيها وقد حققت فضلك
فقل لي مثلما لك قبل أوحى ... اله الخلق قد أوتيت سؤلك
فرأيته ليلا يقول لي (قم روح) ثلاثاً، وكانت ليلة ٣ رجب وهو تاريخ صدور الأمر).