للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سوق من الأسواق، فمنها خرج الناس بما ينفعهم وبما يضرهم) فيطرب عمر لهذا الكلام

ويقول الواعظ: - يا أمير المؤمنين! افتح الأبواب وسهل الحجاب وانصر المظلوم. فيطرب عمر لهذا الكلام ولسان حاله يقول: - اللهم إني ما أغلقت دون أحد من المسلمين باباً، ولا ألقيت بيني وبينهم حجاباً، ولا رأيت مظلوماً إلا أخذت له الحق من ظالمه. . .

ودخل عليه زياد العبد مولى ابن عباس. فقال: - يا أمير المؤمنين: أخبرني عن رجل له خصم ألد كيف حاله؟ قال سيئ الحال. قال فإن كانا خصمين ألدين؟ قال ذلك أسوأ الحالة. قال فإن كانوا ثلاثة؟ قال لا يهنيه عيش! قال والله يا أمير المؤمنين ما أحد من أمة محمد إلا وهو خصم لك عند الله تعالى! مطالبك إن قصرت في حقه. فبكى عمر حتى رق له الحاضرون.

ومن خلفاء بني أمية الذين استمعوا إلى نصح الناصحين هشام بن عبد الملك. وكان على شحه حليماً واسع الصدر. فقد حدثوا أن خالد بن صفوان المشهور بابن الأهتم دخل عليه فحدثه عن ملوك الأعاجم وزوال ملكهم بعد تمكن الأمر لهم، فبكى هشام، وأجزل العطاء للناصح على ما كان من بخله وحرصه

وفي أول العصر العباسي بقيت بقية من هؤلاء الوعاظ، وقد وجدوا بباب المنصور منفسحاً. ولهذا تجد في كتب الأدب طائفة من أخبارهم معه. وكان الرجل منهم يشتد في الكلام ويقسو على الخليفة ويعنف على البطانة، ويصف الأدواء في صراحة. حتى لقد بلغ من بعضهم أن قال له: (هل دخل أحد من الطمع ما دخلك؟ إن الله تعالى استرعاك المسلمين وأموالهم فأغفلت أمورهم واهتممت بجمع أموالهم، وجعلت بينك وبينهم حجاباً من الجص والآجر، وأبواباً من الحديد، وحجبة معهم السلاح). وهذه الموعظة طويلة. ولعلها أطول ما روى في الوعاظ والنصاح، ولا يدانيها في طولها إلا نصيحة الأوزاعي للمنصور أيضاً، ولكن الأخير كان أخف نقداً وألطف مدخلاً من الأول الذي أوردنا جملة من مواعظه ولم نعرف اسمه، لأن المصادر التي رجعت إليها لم تذكر اسمه، بل جعلته رجلاً عابراً! يظهر في المسجد ويصلي مع المنصور، ثم يطلب فلا يوجد

ويلاحظ أن الوعاظ من أهل العلم والفقه لا يغلظون في النصح كما يفعل أهل الزهادة والتقشف، فطاووس الفقيه أميل إلى الفقه والأحكام منه إلى التعنيف والإيلام، وكذلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>