للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم تجرؤ العصور على تمزيقه. فكيف إذا مهدت السبل واتخذت الوسائل لتعريف العرب بثقافتهم الموروثة وإمدادهم بثقافة جديدة مشتقة من تاريخهم وأوطانهم، مستمدة من كل ما أخرجته عقول البشر في الشرق والغرب. كيف إذا اجتمع علماء العرب على نشر ثقافتهم القديمة مهذبة مرتبة موضحة ميسرة، واتفقوا على إشاعة ثقافة حديثة ملائمة بيئاتهم وأحوالهم، ثم اتخذوا في نشر هذه وتلك وسائل النشر الحديثة. إن الكتاب ليؤلف اليوم في القاهرة أو دمشق فيقرأ في بغداد بعد قليل ويقرأ في الغرب بعد حين على كثرة ما وضع من الفواصل التي أريد بها قطع المغرب عن سائر بلاد العرب. فكيف إذا نظمت الحكومات والجماعات وسائل التعليم والنشر، ورفعت العوائق وأزالت العقبات، وتوسلت بما يعرف العالم اليوم من وسائل. إن العالم العربي ليصير إذن بلداً واحداً في ثقافته وتربيته إلا ما تقضى به البيئة من اختلاف بين الأقطار وبين أرجاء القطر الواحد غير مضر بالأواصر ولا مخل بالثقافة المشتركة

والحق أننا حين نتحدث في التقريب بين بلاد العرب أو التأليف بينها لا نحاول أن نخلق أو نضع أواصر وروابط ولا أن نحتال بالأوهام إلى مقاصدنا ولكنها الحقائق الماثلة، والأواصر القائمة التي غفلنا عنها حيناً فما وهنت، وحاول الزمان إنكارها فما خفيت، وعالجتها الحادثات لتزيلها فيما قدرت. إنها خلق الله ومن يغير على الله خلقه، وإنها سنة الله ومن يبدل على الله سنته. وإنها الحق الذي لا يملك الباطل له تحويلاً، والتاريخ الذي لا تستطيع الخدع فيه تأويلاً

بين البلاد العربية من الروابط والأواصر والعواطف ما بين كل أمة موحدة قوية، وفيها من الآمال والمقاصد ما لكل أمة عزيزة طامحة، ولكن ينقصها التهذيب والتدبير والتنظيم والتوضيح. ولهذه كلها وسائلها وهي يسيرة إن صحت عقولنا ونشطت أيدينا

لقد دعا العرب منذ سنوات إلى الاحتفال بذكرى أبي الطيب المتنبي. فاجتمع أدباء من الأقطار العربية في دمشق، وتجاوبت البلاد العربية كلها بهذه الدعوة، واحتفلت بهذه الذكرى، فلم يخل قطر بين دجلة والمحيط الأطلسي من احتفال بالمتنبي وكتابة عنه، وإعراب عن عواطف العرب بشعره. هذا لم تكن الوسائل الكافية قد اتخذت للاحتفال بالشاعر الكبير، ولكنها كانت دعوة صادفت نفوساً متعارفة، وقلوباً متآلفة قد غذاها أدب

<<  <  ج:
ص:  >  >>