للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واحد وأيدها تاريخ واحد، والبلاد العربية تدعو اليوم إلى الاحتفال بأبي العلاء المعري هذا العام. وكل أدباء العرب سواء في الاهتمام به، والدعوة إلى إعظامه. وسيكون احتفال المعري، مرآة لوحدة الثقافة في البلاد العربية

هذه الأواصر والوشائج الطبيعية والتاريخية التي تربط بين بلاد العرب لا تعمل عملها إلا إذا عنينا بها فأحكمناها، وأزلنا العوائق من طرقها، ووجهناها إلى الغاية المرجوة وأحسنا الانتفاع بها. وإلا بقيت كقوانين الطبيعية التي لا يهتدي إليها أو المعادن الغنية التي لا يستخرج ما فيها، أو الأشجار العظيمة التي لا تجني ثمراتها، أو الأنهار الزاخرة التي لا يستقى ماؤها. إن النيل ودجلة والفرات وبردى وأنهاراً أخرى صغيرة تجري في بلاد العرب ولكنها لا تسقيها حتى يسيطر الإنسان على مجاريها ويحوز مياهها ويسوقها إلى الأرض بالسدود والقنوات. وكذلكم هذه الأفكار التي في عقولنا والعواطف التي في قلوبنا والآمال التي في نفوسنا، والقوى التي في أيدينا، وكل ما عندنا وما نستحدث من علم وأدب وخلق كلها تحتاج إلى العناية والرعاية والتوجيه والاستثمار. فنحن في حاجة إلى مؤتمرات للائتمار بيننا في التعليم والتربية والاقتصاد وشؤون كثيرة، ثم اتخاذ الوسائل التي تؤدي بنا إلى ما نؤمل من اتفاق وتعاون على بناء حضارتنا على قواعد وطيدة، والسير إلى مقاصدنا على خطط سديدة. على أن نأخذ للأمور أهبتها، ونعد لها عدتها، ونعرف المقاصد وتخط الوسائل على بينة من أمرنا، وبصر بحاجاتنا، واعتداد بأنفسنا فنخلق من بيئتنا وتاريخنا وأحوالنا وأخلاقنا حضارة فيها من تاريخنا سمات، وعليها من أيدينا ملامات، فليس كرامة أن تقلد ولا تبتدع، وليس حياة أن تستعير من غيرك لباسه، وتستجديه طعامه، وتأخذ منه حليتك وزينتك ثم تزعم أنك نظيره، ولكن الحياة فكر ونصب وعمل ودأب وخلق واختراع واعتداد بالنفس واعتزاز بها، أن تشيد بناءك بيدك لنفسك ثم للناس. إنما الحياة أن يكون للأمة على الأرض آثارها، وسماتها وخصائصها. ولا حرج من بعد أن تأخذ من الأمم وتعطي، ثم تعاون البشر كافة على حضارة إنسانية جامعة

وبعد فعلى الذين يهيمنون على شؤون العرب من رؤساء وزعماء وعلماء وأدباء أن يخطوا للأخلاق خططها كما يخطون للمعارف والصناعات وغيرها. فما يرتفع لأمة بناء على غير قواعد من أخلاق قوية صحيحة فاضلة. ولا يستقيم لها في الحياة منهاج إلا على هدى

<<  <  ج:
ص:  >  >>