للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لفظياً متكلفاً حتى عند أولئك الكتاب الذين نمت ثقافتهم حتى امتلكوا أفكاراً يغنيهم جمالها أو عمقها عن تزويق اللفظ كالأستاذ الإمام الذي ظل يكتب بالأسلوبين معاً، أسلوب التأليف وأسلوب الرسائل

وفي الحق إننا لا نعرف أسلوباً يتميز به الأدب الحديث بأضيق معانيه غير أسلوب القصة، فهي أكبر مظهر من مظاهر الأدب الحديث، وليس بخاف أن القصة حديثة العهد ببلادنا وهي بمجرد ظهورها أخذت تغذي السجع بمادة الفكر وتنقله من التفاهة إلى الجد، وهذا واضح في حديث عيسى بن هشام؛ فأسلوب المويلحي رغم حرصه على أوجه العبارة البلاغية لا يخلو من فكر وإحساس صادقين، وذلك لأن القصة بطبيعتها تقدم للكاتب مادة، وكل مادة تحتاج إلى العبارة عنها، فيأتي الأسلوب محملاً بتلك المادة

ومنذ أن خطا أسلوب النثر تلك الخطوة أخذ يشيع في غير القصص حتى امتد إلى المقالة أو الموضوع القصير على نحو ما نجد عند السيد توفيق البكري الذي جمع في أسلوبه بين الصنعة اللفظية وجمال الصور الخيالية وصدق الإحساس أو أصالة الرأي. ولكننا رغم كل ذلك لا نستطيع أن نقول إن النثر قد وصل عندئذ إلى ما لم يكن بد من أن يصل إليه ليجاري النثر الأوروبي فيصبح تعبيراً مباشراً عن فكر غني أو إحساس صادق ثم يتسم رغم مباشرته بصفات الأدب كعمل فني، وتلك مرحلة لم نصل إليها إلا في القرن العشرين. وليس من شك في أن السيد مصطفى لطفي المنفلوطي هو الذي خطا بنثرنا إلى تلك المرحلة الأخيرة، ومنذ ظهور هذا الكاتب العظيم لم يلبث النثر أن استحصد حتى سبق الشعر

واليوم ننظر في نثرنا فنرى تيارين كبيرين ينطوي في أثناء أحدهما المويلحي والبكري ومصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات على اختلاف في الأمزجة وعمق التفكير أو الأحساس، ولكنهم يجتمعون معاً في خاصية واحدة، هي أنهم وإن يكونوا أبعد من أن يمثلوا في شئ اللفظية التي سادت في عصور مصر الإسلامية المتأخرة، إلا أنهم رغم ذلك يحرصون على تجويد العبارة تجويداً فنياً، ويخضعون الفكر أو الإحساس لطرق الأداء حتى ليأخذك في أدبهم جمال الصياغة قبل أصالة الموضوع، أو تحس بأن تلك الأصالة قد اضطرتهم إليها أصول الأسلوب التي ينتهجونها

<<  <  ج:
ص:  >  >>