لهذا نقول إن قرار الحكومة الروسية بالفصل بين الجنسين في دور التعليم له شأن لا يدانيه شأن في قرارات التربية الحديثة، وينبغي أن يلتفت إليه النظر فيه كل مشتغل بتعليم الصغار والكبار من الحكوميين وغير الحكوميين، بل نعتقد أن المسألة يحق لها الالتفات وإنعام النظر في نطاق أوسع من نطاق المدارس الابتدائية أو نطاق البحوث التي تعني بالصبيان والبنات. لأن الفارق إذا وجد في البنية لا يوجد في زمن ويختفي بعد ذلك أو قبل ذلك في أزمان، بل هو موجود قائم في دخائل البنية وأعماقها، وإن تفاوتت درجات ظهوره بين حين وحين
ولقد كان أناس من أساطين علم النفس وأئمة المذاهب الكبيرة فيه بين علماء العصر الحديث يقاربون هذه المسألة الجلي بعناية دون العناية التي ينبغي لأمثالها وتنبغي لهم وهم يطرقون المباحث التي تتصل بتهذيب النفوس ومصير الأجيال، ولا نحاشى من هؤلاء أمثال (ألفرد أدلر) الذي خطر له أن يناظر (فرويد) في دراساته النفسية المشهورة، وهي في تاريخ المعرفة الإنسانية فتح من أعظم الفتوح. فأدلر يقول في موضوع تعليم الجنسين، من كتابه عن فهم الطبيعة الإنسانية (إن أهم المنشآت التي أقيمت لتحسين العلاقات بين الجنسين ما أنشئ للتعليم المشترك بينهما)
ثم يقول (إن هذه المنشآت لا تقابل باتفاق الآراء. لأن لها خصوماً كما لها أصدقاء)
(فأصدقاؤها يجعلون أقوى برهان لهم على صلاحها أن الجنسين - خلال التعليم المشترك بينهما - تنفسح لهما الفرص ليفهم كل منهما صاحبه في السن الباكرة فيقضي هذا التفاهم على الموروثات الوهمية ويمنع عواقبها الضارة جهد المستطاع. أما خصومها فيجيبون عادة بأن الصبيان والبنات يكونون في سن المدرسة قد بلغوا من الاختلاف حداً يزيد الشعور به والانتباه إليه عند الاختلاط في معهد واحد. لأن الصبيان يحسون أنهم مرهقون، ويداخلهم هذا الإحساس مما يشاهد على البنات من أنهن أسرع في النمو الذهني خلال هذه السن الباكرة. فإذا اضطر هؤلاء الصبيان إلى المحافظة على مزيتهم وإقامة البرهان على تفوقهم بدا لهم فجأة لا محالة أن مزيتهم في الحقيقة إن هي إلا فقاعة صابون ما أسهل ما تنفجر وتزول