الوجود. . . ولكنهما عقلان متأثران بالمباحث الصوفية وفلسفاتها القديمة التي أوغلت في بحث قد أثبتت الحياة أنه لا طائل وراءه بل وراءه كل الهلاك والبلبلة والضياع والاختلاط
ولقد غزا هذا المذهب عقول بعض الفلاسفة والصوفية الذين آفتهم أنهم طلبوا أن يدركوا الله وما وراء الطبيعة بالحواس التي يدركون بها الطبيعة وبالعقل البشري المخلوق لأدراك النسب بين كائنات الطبيعة وحدها أولا. فلما عجزوا عن رؤيته تعالى وإدراكه - كما هو المنتظر - ذهبوا إلى أنه لا بد أن يكون الله هو هذا الوجود الظاهر، وأنه يحل فيه وليس له وجود منفصل عنه، وهكذا تجد الوثنية التي حاربتها الأديان والفلسفات السامية سنداً عظيماً من هذه الفلسفة التي تعيش في ظلال هذا المذهب
وهكذا تتحول كل الطبيعة إلى أصنامٍ آلهةٍ!
وهكذا تعود الحجارة والبقر والخنفسان والخنازير معبودات إلهية!. . .
وبدهي أن النظرة الأولى تهدي إلى أن الله غير الطبيعة. وأن هناك انفصالا بين الخالق والمخلوق
ولكن النظرة البديهية هذه كثيراً ما يطمسها التأمل الذي لا يقنع بالظاهر الواضح، ولا يرضيه الوقوف عندما يوحيه المنطق العملي، بل يلذ له أن يلجأ إلى الفروض ويحاكم فكرة الله إليها. . . ولا شك أن هذا إيغال مهلك لا طائل وراءه إلا الضياع والبلبلة
وقد ذهبت بي نظراتي في النفس والوجود إلى أن الوقوف على سطح الوجود هو المنطق الذي لا نملك غيره ما دمنا محدودين ضئيلين في أرض ضئيلة الحجم جداً بالنسبة إلى الوجود الأعظم الذي نرى منه بعض سطحه حين نسرح أبصارنا في السماء. . . فكل إيغال وراء ما توحيه البداهة يكون وراء الشرود والجموح والبلبلة. فالإحساس بانفصال النفس عن الكون وانفصال الله عن الكون تبعاً لذلك هو تلك النظرة البديهية التي لا نملك غيرها إن أردنا أن نسير مع المنطق العملي للحياة. وأن نحل أكثر مشكلات الوجود، وأن يطرد تقدمنا البشري وأن تحدد المسئوليات والتبعات، ولا تختلط الحدود ولا تسقط التكليفات ولا تهدر قيم الأشياء
أما اعتناق مذهب (وحدة الوجود) فمعناه الاختلاط والتشويش والفوضى والتباس المقاصد وذهاب الاختيار بين الخير والشر