وبديهي أن الحياة الاجتماعية وصلاحها هي الفاصل في الأمور الجدلية، أو ينبغي أن تكون كذلك. والحياة الاجتماعية تأبى هذا المذهب كل الإباء ولا تحتمله لحظة، لأنه أعظم أسباب انهيارها ودمارها! فإن الإنسان سيكون بهذا المذهب إله نفسه لأنه جزء من الخالق. . . وسيكون الآلهة بعدد المخلوقات أو بعد الناس على أقل تقدير!
وإن الحياة الحالية لم تحتمل شطط الإنسان وجبروته ومتابعة هواه، وهو يعتقد أنه مخلوق تافه مسئول له خالق سيحاسبه حساباً عسيراً. . . فما بالكم به حين يعتقد في نفسه أنه إله أو جزء من الإله!
لقد ضرب الإنسان العالم بالأضغان والمدمرات وأشعل الحياة وهو طفل عاجز قاصر. . . فما بالكم به إذا حسب أن إرادة نفسه هي من إرادة الكون كله؟!
إن الأمر أعظم مما يتصور هؤلاء المفلسفون المأفوكون! وإن الحياة العقلية لم تقبل أن يكون للكون آلهة متعددة من العقلاء. . . فكيف بهم إذا كانوا مجانين!
فاللهم اهد الرصافي في شيخوخته ومرضه إلى منطق البداهة حتى يعود إليك على دين الفطرة التي يلقاك بها الفطريون المؤمنون الذين يتركون لك ما لم يستطيعوا إدراكه في حياتهم المحدودة!
هذا جدل يعتمد على النظر وتقليب المسألة أمام المنطق التجريدي الذي يصطنعه أصحاب المذهب، ويعتمد أيضاً على التحاكم في هذه المسألة إلى المنطق العملي الذي توحيه الحياة الاجتماعية
ولو كان الأمر مقصوراً على هذا الأسلوب لوجد أصحاب هذا المذهب مجالا للمناقشة ورد القول وتشقيق الجدل، وما كان طمعنا في إفحامهم إلا بقدر
ولكن عمدتنا في دحض هذا المذهب حجة بالغة من العلم الحديث صاحب المعجزات التي تخضع لها جميع أعناق البشر، ولا يستطيع أن يماري فيها الممارون من صناع الكلام وحاذقي الجدل
حجة يبعثها التأمل بيقظة في أسرار الأعمال الإنسانية العظيمة في الطبيعة: تلك الأعمال التي استحالت إلى آيات من آيات الكون يمر عليها الناس وهم عنها معرضون، كما يفعلون مع آيات الله في الآفاق. . .