للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهي تسلُّط العقل البشري (باللاسلكي) وتحكمه به في الآلات وإدارتها ورصدها من بعد شاسع، وانفصال تام بين العقل الإنساني والآلة. . . فقد رأينا (ماركوني) يضئ مكاناً في استراليا وهو في أوربا. . . ورأينا الدبابات تزحف والطائرات تطير وتحارب وليس فيها سائقون. . . وإنما يديرونها ويتحكمون في تحريكها من بعد

ورأينا (رادار) تلك العين السحرية العجيبة التي حدثتنا مجلة (المختار) عن التقائها أو التقاء الإنسان بواسطتها بالأحجام على مئات وآلاف من الأميال. ومع أنها في العهد الباكر من اكتشافها والانتفاع بها، فقد انتفعت بها إنجلترا في مقاومة الغارات الألمانية في معركة إنجلترا

ورأينا أن ما يحدث لتلك الآلات ينتقل إلى ذهن الإنسان الراصد لها في لحظة. فهو معها بعلمه وقدرته وإرادته يصرفها كيف شاء مع الانفصال التام والبعد الشاسع بينه وبينها. وهو يكونها ويركبها ويجعل فيها عقلاً وروحاً تحركها وتصرفها. وما دام قد أعطاها قوانينها فلا لزوم لوجوده فيها والمكث بجانبها أو الامتزاج بها

أفلا تقاس على هذا الأساس علاقة الله بالكائنات؟ وتحل بذلك تلك المشكلة التي خلقتها عقول من لم يروا لهم سبيلاً غير اعتناق مذهب وحدة الوجود؟ بلى! فإن ما يقدر عليه الله لا يذكر بجانبه ما يقدر عليه هذا الإنسان الضئيل العاجز. ولا شك أن من كمال الإنسان أن يقدر على التصرف في (مخلوقاته) من بعد، وأن يرصدها ويرقبها ويوجه إرادته إليها وهو متحرر منها منفصل عنها لا يشعر بضرورة الاتصال بها والتقيد بحيزها الضيق. . . فأولى برب الكمال المطلق والقدرة المطلقة والإرادة القاهرة أن لا يكون عليه شئ لسلطان وألا يتقيد بقيد

وإن في ذلك آية يرسلها الله من التأمل في أسرار الإنسان ووحي أعماله في الأرض. . . وسبحان الله! لقد أقام من الإنسان دليلاً ووسيلة لحل كثير من العقد والمشكلات، وخلقه صورة مقربة لبعض شؤونه الجليلة التي يتعجل المتعجلون في الحكم عليها بعقلهم القاصر وفي مدى عمرهم المحدود الذي لا يقاس إلى الأبد الكبير الذي يظهر الله فيه شؤون الخلق والأمر في أدوارها وأوانها الموزون المقدور و (لا يعجل لعجلة أحدكم) كما قال (محمد) سيد الأصفياء العارفين بشؤون الله!

<<  <  ج:
ص:  >  >>