وقد قلت مرة: إن الحياة لم تنته ولم يبد أنها تقرب من نهايتها التي تتضح بها غاياتها وتنضج ثمراتها. فلا يليق بالفيلسوف أن يحكم حكمه النهائي عليها قبل اكتشاف غاياتها. وأولى به أن يرصد الأدلة التي تلدها الأيام وتضعها على طريق الأحياء يوماً فيوماً لترشد السالكين وتشير لهم إلى الأمام
ومنذ أن اهتدى الإنسان إلى وجود القوة التي يظهر أنها (مادة) الطبيعة الأولى وهي الكهرباء، وبعد أن شرع يدس يده وفكره في هذه القوة الخفية ويستخدمها ويحرك بها ما يشكله من المادة. ومنذ أن ظن أنه سيصل إلى أن يكثف هذه القوة بدرجات مختلفة تحت ضغوط معينة ليخلق منها العناصر المادية المتبلورة الثلاثة والتسعين. . . منذ ذلك كله، ينبغي للمكفرين التجريديين أن يتربصوا أفعاله وكشوفه ليبنوا عليها أحكامهم ومنطقهم وأن يقصدوا في تلك الفلسفات الفرضية والشطحات الصوفية التي لا نهاية لها، لأنها (ذاتية) وليست (موضوعية) موضوعها ذلك الكون المادي العجيب الذي استمددنا منه عقولنا وأحكامنا. وأن ينادوا معنا إلى الصوفية المادية التي تعجب وتتعبد بالفكر في الطبيعة الظاهرة وأعمال الله وأعمال الإنسان فيها، وتتعلق بالمحسوس قبل المتعلق بغيره حتى تفرغ منه قبل نهاية رحلتها على الأرض، ثم تلتفت - إن قدر لها البقاء على الأرض بعد هذا الدور - إلى ما وراء الطبيعة لتبحث فيه وتحكم عليه