الإسلام فلم يهدموا ولم يهلكوا إلا أنفسهم، والذين كانوا يبغون كلام الله عوجا، فلم يقع العوج إلا بهم عقلاً ونفساً وقلباً وعملاً، كما وقع بعقل زكي مبارك ونفسه وقلبه وعمله، وذهبوا وبقى كلام الله، كما وصفه الله سبحانه وتعالى:(قرآناً عربياً غير ذي عوج) و (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)
ولقد ندم أبو نواس وما ندم زكي مبارك، وما أظنه يندم. ندم أبو نواس حين قال:(فإذا عصارة كل ذاك أثام)، وحين قال:(وتذكرت طاعة الله نضوا). وما ندم زكي مبارك حين يقول - في بعض ما كتب بعد كتابه التافه الفاسد الذي شغلنا بهذه الكلمة عما كنا بسبيله من تبيين تفاهته وفساده - يقول محدثاً عن نفسه في العراق:(يئست من الصيد في الحرم الحيدرى بعد فرار تلك الغزالة، وبدأت أعتب على سيدنا علي بن أبي طالب، فمثلي لا يكرم في رحابه بالماش والجلاش، وإنما يكرم مثلي بالهيام في أودية الفتون)! وليت سيدنا علياً (كرم الله وجهه) كان حياً يسمع عتبه، إذن لأكرمه بالعصا أو بالحجر، جزاء الماجنين المتهتكين أمثاله. ذلك في العراق، وفي مصر لم يندم حين يقول تحريضاً على الفجور في بعض ما كتب:(ارجعوا، فالفضيحة في غرامي تكريم وتشريف، لأني قيثارة الغرام في ألحان الخلود)! ونعوذ بالله من غرور يؤدي إلى خبال! فما سمع قبل اليوم أحد في أدب مكشوف أو مستور، بتكريم في فضيحة، أو بقيثارة في ألحان، إلا من مثل هذا الدعي الذي يكذب على الأدب وعلى الناس كما يكذب على الله
ولقد أصر ابن الراوندي كما يصر زكي مبارك على محاربة الله ورسوله بالكذب والزور وقلة الحياء. وهل كذبٌ أفظع أو زور أشنع من زعم هذا الرجل في كلمته الأخيرة أن القول بإعجاز القرآن جهل، وإن إنكار الإعجاز علم، وإن الإيمان بالقرآن كما آمن ويؤمن المسلمون من لدن عصر الرسول إلى اليوم هو إيمان العجائز لا إيمان أهل الشباب والعافية؟ إذن فماذا كان إيمان أمثال علي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص، ومن إليهم من شباب الإسلام الذين صار كثير منهم بعد شيوخا، والذين جاهدوا في شبابهم وشيبهم من كان على مثل إيمان زكي مبارك اليوم؟ أفكان إيمان أولئك يمت إلى عقيدة زكي مبارك بصلة وهو يقول ما يقول في القرآن؟ أم كان إيمانهم إيمان عجائز يقوم على مجرد التصديق وإيمان هو يقوم على الدليل