على أني اتهمته بأكثر من إنكار إعجاز القرآن. اتهمته بأنه يرى القرآن كلام محمد لا كلام الله، وأن الأديان كلها، لا الإسلام وحده، بنت البيئة ومن وضع الأنبياء، وأوردت على ذلك البراهين من كلامه. فهل يستطيع دحضاً لتلك البراهين؟ إن كان يستطيع فلماذا لم يفعل؟ وإن كانت تلك التهمة الخطيرة لا تطابق ما يعلم من نفسه، وإن صادفت عبارات تشهد لها من كلامه، فلماذا لم ينكر التهمة؟ ولماذا لا ينكرها مجرد إنكار وإن لم يأت لعباراته تلك بتوجيه أو تأويل؟ وإذا كان لا يستطيع هذا ولا ذاك فأينا الجاهل بالإسلام، الكاذب على الله، المخادع للناس؟
الحق إنه لم يعلم من نفسه صدق ما وصفته به، وصدق تحليلي نفسيته، ويعلم أني وفيت بوعيدي الذي كنت أوعدته من كشفه للناس حتى لا يعود ينخدع به مسلم، وأنه لن يجديه بعد اليوم أن يسوق للناس ما ليس من الإسلام باسم الإسلام تضليلاً لهم وإغواء كما كان يفعل من قبل. ومن هنا عدوله عن مقارعة الحجة إلى الشتم، ومن هنا تظاهره بالمقدرة وهو يعلم من نفسه ما يعلمه الناس فيه من العجز. ثم من هنا محاولته إبهام من لم يتبع أصل هذه الخصومة أني أنا الناقد الحاقد تعرضت لنقد كتابه من حيث هو كتاب، ثم وقفت منه عند مسألة واحدة شائكة هي مسألة إعجاز القرآن. وهو يعلم والذين تتبعوا هذه الخصومة يعلمون أنه كاذب، لأن هذه الخصومة لم تثر إلا حول القرآن وإعجازه حين عجز زكي مبارك عن فهم أبسط كلمة في أبسط آية من سورة الفلق، ولأن كتاب النثر الفني لم يذكر حين ذكرناه أول مرة إلا كمرجع يحوي الأدلة على إنكار صاحبه إعجاز القرآن، وذهابه إلى أن القرآن من كلام البشر لا من كلام الله. وطاولناه وأمهلناه لينكر ما في كتابه مما يتصل بذلك، فأبى إلا التشبث به، وفضل أن يذهب معه إلى جهنم الحامية مكان الملحدين الأحرار، فلم يكن بد من أن نورد نحن من الأدلة ما يكفي لإثبات ما ادعيناه عليه وما أسندناه إليه، من غير استقصاء للدليل. فإن كان الذي سقناه من الدليل لا يكفيه فإن لدينا غيره من النثر الفني ومن غير النثر الفني مما ألف ونشر. وإن اكتفى اكتفينا بما قلنا في هذه الناحية، ومضينا فيما كنا بدأنا من التدليل على فساد كتابه من حيث هو بحث. وإن عاد إلى الناحية الدينية بمثل بذاءة كلمته الأخيرة وافترائه، عدنا إلى دمغة بالحجة من غير أن نلجأ إلى إيراد نص سبق، فما أكثر غلطاته وسقطاته وشطحاته التي أتى حين كان