للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الهالة التي يطوقونها بها من الأدب الممتع لتترك في نفس القارئ صورة جميلة لها لا تكاد تمحي

وأحاديث لقاء ذي الرمة بمي كثيرة مترددة في كتب الأدب، ولكن يبدو أنه بقدر جمالها وملاحتها كان قبح ذي الرمة وشناعة خلقه، حتى لكان من قول أمه فيه: اسمعوا شعره ولا تنظروا إلى وجهه. . . وكان أسود اللون دميم الخلقة ينبزه جرير الشاعر بالأسود والعبد.

ومن الثابت أن مياً تزوجت من غير ساعرها، وأنها افترقت عنه أضعاف أضعاف ما اتصلت به؛ ولكنا لا نستطيع أن نتبين من هذا - ولا من غيره - حقيقة ما كان من شعورها نحوه، ولا مبلغ ما تطور هذا الشعور في فترات تعارفهما المختلفة. أما شعوره هو فواضح: حب خالص، عفيف متمكن، إلا ما كان يشوبه من ذكر خرقاء - كمحبوبة له أخرى - وسنشير إلى حقيقة ذلك بعد قليل

وقد كان من صفة (مي) عند الراوين أنها جميلة، مسنونة الوجه طويلة الخد شماء الأنف، عليها وسم ملاحة وجمال. ويزيد هذه الصورة في النفس تجسما ما يسبغه ذو الرمة عليها من وصف ممتع في ثنايا شعره. فهي كما يقول:

براقة الجيد واللبَّاتِ واضحة ... كأنها ظبية أفضى بها لبَبُ

تزداد للعين إبهاجاً إذا سفرتْ ... وتحرَجُ العينُ فيها حين تنتقب

لمياء في شفتيها حُوةٌ لَعَسٌ ... وفي اللثاتِ وفي أنيابها شنب

وهي ناعمة الجمال إذا رآها، رخيمة المنطق إذا سمعها. وأجمل ما فيها عيناها وابتسامتها:

لها بشرٌ مثل الحرير ومنطقٌ ... رخيم الحواشي لا هُراءٌ ولا نزرُ

وعينان قال الله: كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

وتبسم لَمح البرقِ عن متوضِّح ... كلَون الأقاحي شاف ألوانَها القطرُ

ومية بعد مشرقة الجيد كالغزال، مشرقة الوجه كالشمس، ولكن أجمل ما فيها - دائماً - عيناها وابتسامتها:

لها جيد أم الخشف ريعت فأتْلعت ... ووجه كقرن الشمس ريان مشرق

وعين كعين الرئم فيها ملاحةٌ ... هي السحر أو أدهى التباساً وأعلق

وتبسم عن نور الأقاحيِّ أقفرت ... بوعساء (معروفٍ) تُغام وتطلق

<<  <  ج:
ص:  >  >>