تلك مي الفتاة كما يصفها الشاعر في ريق جمالها وميعة شبابها، أما ميُّ المسنة العجوز، بعد أن غالت شاعرها غول المنايا، وقوض من صرح جمالها تواتر الأيام؛ فهي التي يحدثنا عنها أسيد بن عمرو حين يقص فيقول:
مررت على مي وقد أسنت، فوقفت عليها وأنا يومئذ شاب فقلت: ما أرى ذا الرمة إلا قد ضيع فيك قوله:
أما أنت عن ذكراك مية تقصر ... ولا أنت ناسي العهد منها فتذكر؟
فضحكت وقالت: رأيتني يا ابن أخي، وقد وليت وذهبت محاسني، ويرحم الله غيلان فلقد قال هذا في وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة في عين المقرور: ولن تبرح حتى أقيم عندك عذره. ثم صاحت: يا أسماء، اخرجي. فخرجت جارية ما رأيت مثلها. فقالت: أما لمن شبب بهذه وهويها عذر؟ فقلت: بلى! فقالت: والله لقد كنت أزمان كنت مثلها أحسن منها، ولو رأيتني يومئذ لازدريت هذه ازدراءك إياي اليوم. انصرف راشداً. هذه مي في أيام ذي الرمة وبعده، فمن هي خرقاء؟ لقد شبب الشاعر بها وردد اسمها في شعره غير مرة، وقدم إلينا من صفاتها الجميلة صورة معجبة. ولكن الروايات بعد كل هذا تصطدم في حقيقة شخصيتها بين إنكار وإثبات، فعند بعضهم أنها هي مي بذاتها، لقبها الشاعر خرقاء في مواضع من كلامه. ويروى آخرون حديث خروجه إلى بعض البوادي والتقائه بخرقاء من آل البكاء من عامر صعصعة - وما كان من تخريقه أدواته توصلاً إلى مكالمتها بالتماس إصلاحها؛ ثم ما كان من اعتذارها عن نفسها بأنها خرقاء لا تحسن عملاً وتلقبيه إياها بذلك
وثمة أقصوصة أخرى يروونها عن سبب تشبيبه بخرقاء متممين بها (الرواية الكبرى) عن حبه لمي؛ تلك هي أن ذا الرمة ضاف زوج مي من ليلة ظلماء، فلما عرفه وخلا بالعراء أنشد في جوف الليل:
أراجعةٌ يا مي أيامنا الألى ... بذي الأثل؟ أم لا، مالهن رجوع
فألزم الزوج المحنق زوجته أن تصيح بالشاعر:(يا كذا) وأي أيام كانت لي معك بذي الأثل؟
فركب غيلان راحلته وانصرف غاضباً، حتى مر بخرقاء، فوقعت في عينه، فقال فيها