للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

محيط حياتنا في الشرق واتصالها الوثيق بنوع الحياة والإحساس الغريين

هذا، إلى ما في نقل الأدب من مشقة، بل من استحالة في بعض الحيان وبخاصة الشعر

وبعد: لقد سبق فرأينا أن نهضتنا الحالية تقوم على أساسين: بعث التراث العربي القديم ثم الأخذ عن أوربا. ولا مراء في أن البعث لا يثير بيننا جدلاً، وكلنا مجمعون على وجوبه بدافع قومي وثقافي معاً. وليس كذلك أمر الأخذ عن أوربا فهنا يجب أن نميز بين نوعين مما نأخذ: أخذ مبادئ العلوم المادية والعقلية وهذه لا نظن أن صوتا جديا يرتفع لمقاومتها. وهي في الحق ليست ملكا للعرب ولا للشرق، بل ولا من السهل أن نقول أين نبتت وأين نمت، ومثلها مثل السيل يجتمع من جداول لا حد لها تأتيه من كافة الآفاق، وعلى العكس من ذلك أخذ الأدب؛ فهنا ترتفع الخصومة ويشتد الصخب، ولتلك الخصومة ما يبررها وهي حقيقة بأن ننظر فيها عن قرب، وذلك لما للأدب من خطورة لا يدانيها شئ؛ فالأدب وعاء لتقاليد الأمة الاجتماعية والأخلاقية، بل والدينية، وفيه تتركز روحها بحيث يعتبر بحق مرآة حياة الأمم، ثم أنه من أخص المجالات التي تظهر فيها أصالة الشعوب في الخلق والحساسية وإدراك مواضع الجمال والقبح، ومن الطبيعي أن تحرص كل أمة على مقومات حياتها كما تحرص على أصالتها

ولكننا نلاحظ برغم ذلك أننا قد أخذنا في الربع قرن الأخير ننقل عن أوربا أدبها شعراً ونثراً؛ فهل في هذا حقيقة ما يهدد كياننا القومي أو يمس أصالتنا كشعب شرقي له مميزاته التي رسبت عن السنين الخالية، حتى استقرت بروحه؟

ذلك ما لا نراه. فحياتنا الراهنة قد تأثرت بما نقلنا عن أوربا من علوم وتطبيقات لتلك العلوم أكبر التأثر حتى أصبحت اليوم بلا جدال أقرب إلى الحياة الأوروبية منها إلى حياة البداوة الأولى. ونحن اليوم نجاهد شعبا وحكومة لنشر هذا النوع الجديد من الحياة بأقصى وسعنا. وهذا شيء من السهل أن يفسره العقل، فبمواصلة الطرق لا بد أن تصبح حداداً. بل أنك لتستطيع أن تصل إلى الإيمان ذاته بالمواظبة على شعائره وحركاته الخارجية، فما بالك بالأثر الخطير الذي تحدثه مظاهر الحياة المادية في نوع الحياة اليومية التي نحياها؟ ومن هنا لا يستطيع أحد أن يزعم أن مقومات حياتنا لا تزال بعيدة عن أن تجد في الأدب الأوروبي ما يعبر عنها بل ويغذيها. وليس من شك في أن هناك الكثير من مبادئ الأخلاق

<<  <  ج:
ص:  >  >>