والاجتماع، بل ومن مبادئ الدين التي نتفق عليها مع الغربيين بحيث لا نكاد نتبين مواضع الخطر على حياتنا القومية في النقل عن أوروبا. ونحن بعد لا نجهل أن هناك جوانب من الحياة الاجتماعية نخشى محاكاتها بغير حذر واستنارة. وأهم تلك الجوانب مشكلة العلاقة بين المرأة والرجل، وتلك مشكلة تمد الأدب في الشرق والغرب أكبر المدد. ولكننا وأن كنا مجمولين بطبعنا على وجوب التبصر إلا أننا نلاحظ أن الأدب العربي ذاته قد وصل في تصوير تلك العلاقة إلى حد من الحرية بل والإباحة لا نحتمله نحن اليوم، بل ولا يجرؤ عليه شعراؤنا، وفي قصائد امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وبشار وأبي نواس من ذلك الشيء الكثير. وبالرغم من هذه الحرية وتلك الإباحة لم تثر ثائرة العرب ولا قوضت أركان حياتهم ولربما كان في الأدب متنفس أهون ضرراً من الكبت والتزمت. ثم إن الهيئة الاجتماعية بوجه عام تأخذ الأدباء وبخاصة الشعراء منهم في جميع بلاد العالم بشيء كثير من التسامح حتى لنلاحظ أننا في مصر نفسها كثيرا ما نقرأ للشعراء ما لا يجرؤ ناثر أن يقوله. ولقد سبق لروسو عند مناقشته للدور الذي يلعبه المسرح في الحياة أن أنكر قدرته على تقويم معوج أو إصلاح فاسد، لأن الناس لا يذهبون إليه لتلقي درس في الأخلاق والاجتماع بل لمجرد التسلية أو المتعة العقلية وفي هذه التسلية وتلك المتعة ما يكفي لأنها تهون علينا حمل الحياة. والأمر في الأدب عامة كالأمر في المسرح
وأما عن الأصالة في خلق الأدب والمحافظة علة خصائصه المميزة، فهنا أيضاً لا نرى من المحاكاة، بل نراها على العكس المدرسة الأولى للأصالة، ومن ناشئة الأدب من يظنون مخطئين أن الأدب يخلق من العدم، وأن الموهبة في غنى عن القراءة والتحصيل والاستيحاء، بل والمحاكاة أحياناً، مع أن تاريخ كبار المؤلفين وكتبهم تشهد بنقيض ذلك. فلافونتين قد أخذ (حكايته) عن إيزوب اليوناني ولابرويير ابتدأ (صوره الأخلاقية) بالنقل عن تيوفراست، بل وشكسبير نفسه قد استقى موضوعات رواياته من (بلوتارخ) و (ناسيت) و (جيرالد دي سنتيو) وغيرهم. ومع ذلك لم يقل أحد إن هؤلاء الكتاب الكبار قد فقدوا أصالتهم. ولقد يقول قائل فليكن. ولكن لم نحاكي الأوربيين ونستلهمهم ولدينا تراثنا القديم الخليق بأن يمدنا بما نريد وجوابنا على ذلك هو أننا لا نريد أن نقصر الأخذ على أوربا. ولقد قلنا في المقال السابق إن في الأدب العربي، بل وفيما نظن أنه قد مات منه ما