كانت الدراهم في الكيس جد قليل
وكم طال بي النظر وكم طال بي الوقوف
على أشياء في السوق لا تنال
تغير الزمن اليوم، فلو أردت الشراء لاشتريت
هنا الدراهم في الكيس، وهناك أشياء الأمس في السوق
ولكن أين يا ترى ذلك الفتى المحروم؟
(طالما شكا قلب الإنسان، لأن (اثنين واثنين: أربعة)
لا هي ثلاثة كما نودها حيناً. ولا هي خمسة كما نودها بعد حين
وأحسبه سيشكو إلى آخر الزمان
فبقياس الأفكار والمعاني، هذه المقطوعة لا شيء! إن معانيها قريبة قريبة، فهي لا تزيد عن قولهم: (كل ممنوع محبوب) و (كل ما تملكه اليد تزهده النفس) و (ما كل ما يتمنى المرء يدركه)
ولكن أين هذا من تلك الأحاسيس الإنسانية الخالدة الغامضة التي تثيرها هذه المقطوعة في نفس كل (إنسان) عانى ما عاناه الشاعر من (أن اثنين واثنين أربعة لا هي ثلاثة، كما نودها حيناً ولا هي خمسة، كما نودها بعد حين) وأحس بحلاوة التشهي وزهادة المشتهى بعد حين. واضطرب بين واقع الحياة الذي يحتمه المنطق ولا مفر منه ورغائب النفس التي لا تستند إلا للشوق المجهول الذي ينكر المجهول الذي ينكر المنطق المحتوم!
ليس المعنى هنا هو المهم، إنما هو المخلوق الآدمي الذي تحس دبيب انفعالاته ووسوسة وجداناته، وليست الفكرة التي تحويها المقطوعة هي المهمة، وإنما هي الصورة المترائية بين الظلال الشفيفة
ثم طريقة تناول الموضوع واستعراض الصورة واحدة بعد الأخرى وتسلسل الصور الحية المتخيلة، كل هذا له شأنه وله قيمته في استثارة الأحاسيس. لا إلقاء المعنى مبلوراً مجرداً كأنه قذيفة!
وسنعود إلى استعراض بعض المقطوعات الأخرى في هذا الصدد الذي يستحق في اعتقادي أن نعود إليه مرة ومرة لتصحيح الفكرة السائدة بيننا عن الشعر والشعور