وجو غضوب الذر يكظم نقمة ... ويكتم غيظ الساخط المتبرم
شممت به ريح المعاصي سخينة ... محملة الأنفاس من كل مأثم
يفحُّ كجراع الشكوك هواجساً ... لهن دبيب السم في رأس أرقام
وألحد صوفي النخيل، فما أرى ... به هِزة كانت إلى النسك تنتمي
لقد كان رعاش الأيادي تبتلاً ... إلى الله لم يدنس، ولم يتأثم
ولم يجن ذنباً يبتغي عنه توبة ... مع الناس يدعوها بكف ومعصم
أما قام في الفجر الرطيب مؤذناً ... يصيح بتكبير على العقل مبهم
فما باله أصغي وأصغت ظلاله ... كمنتظر حكم القضاء المحتم!
وألقي على الأفق المصفد نظرةً ... كأصفاد عيسى والتفاتات مريم
وأزهق إحساس الطبيعة، فاغتدت ... كخزن على كتم الشكايات مرغم
كأن ثكالي مخرسات على الرُّبى ... شليلات همس الروح والجسم والفم
وقفن عليها ينتظرن معزياً ... وطرف المعزي عن طريق الأسى عمى
طرحن مناديل الظلال على الثرى ... وكاد بهن العود كالظل يرتمي
وأطرق فيها كل شيء فما بها ... سوى طيف مصلوب وإيماء مسقم
كأن القصور الشامخات بأرضها ... محاريب جن في مزار محرَّم
يطن حواليها الهجير كأنه ... تخافت عار حول عرض مَثَّلم
وينفخ كالحداد ناراً شرارها ... تناهش خزى في ضمير مذمم
مشيت بها حيران أشبه خاطراً ... بقلب ملول جازع اليأس مظلم
أفتش عن سحر الربيع وعطره ... كأني نقَّابُ بأحشاءِ منجم
لقد مات! واغتالت مغانيه بغتة ... كما اغتال عصف الشك أحلام مغرم
ألا أين هفهاف النسيم بأيكها ... وأين مزامير الضحى المبتسم؟
وأين أغاني الموج والموج شاعر ... وإن لم يُذِع شعراً ولم يترنم
وأين الهوى إني حملت ربيعهُ ... بقلب من الأشواق عات مدمدم
وهمت على صيف الجزيرة شارداً ... بحبي كسرٍ في حشاها مطلسم
أحب لياليها، وأهوى تُرابها ... وأهوى غروب الشمس في أفقها الظمى