الدفاع. إنه كالغريق في الحمأة لا يزيده جهاده للخلاص منها إلا غوصاً فيها حتى يلتئم سطحها فوق رأسه، وكان خيراً له ألا يقربها، فإذا قاربها فقد كان أنجى له ألا يتورط فيها
ومحاولة الرجل الخلاص بالكذب أو بالمكابرة أو بالمغالطة والمهاترة لا تنفع ولا تجدي. فليس ينفعه مثلاً أن يلجأ إلى حيلته القديمة التي نبهنا إليها في التمهيد، فيسمي الأشياء بغير أسمائها أو بضد أسمائها، كما يفعل من تسمية العلم جهلاً والجهل علماً، أو الإسلام إلحاداً والإلحاد إسلاماً وإيماناً. فهذه الحيلة التي قد تجوز على الناس عند انبهام الأمر، لا يمكن أن تجوز على أحد في البسائط الواضحة والبديهات المسلمة
وموضوع الخصومة بيننا وبين هذا الآفك هو في دائرة البسيط البديهي؛ دائرة المسلَّم المعروف من الدين بالضرورة؛ دائرة الأموال التي هي فصل بين الإسلام وغير الإسلام، بين المسلم وغير المسلم: دائرة إعجاز القرآن، وأن القرآن كلام الله لا كلام البشر، وأن الأنبياء والرسل ليس لهم من الدين إلا تبليغه، وأن وحي الله إليهم ليس كهذا الذي يسميه الشعراء والمفكرون إلهاماً. هذه الأصول المسلمة عند المسلمين كافة، المعلومة من الدين بالضرورة هي موضوع الكلام بيننا وبين زكي مبارك، وموضوع الخصومة. وهو ينكرها ويكابر فيزعم أننا نفتري عليه الإلحاد
المسلمون كافة يقولون إن القرآن معجز، ويفهمون من إعجازه إعجاز الأسلوب قبل كل شئ، وهو يقول إن القرآن غير معجز وإن أسلوبه أسلوب عادي يقدر عليه جميع الكاتبين. ثم يزعم أنه قد أقنع المثقفين بإعجاز القرآن!
إن إنكار إعجاز الأسلوب يستتبع حتماً إنكار إعجاز المعنى إلا في المواطن التي يكون فيها المعنى من النبوءات التي تحققت بالفعل، أو يكون من العلميات التي يحققها البحث العلمي على مر الزمان. فكثير مثلاً من قصص القرآن كان معروفاً، إن لم يكن للعرب فللنصارى واليهود في التوراة والإنجيل. ومن السهل على المكابر أن يدعي أن محمداً درس أو أن محمداً سمع. وقد قيل ذلك بالفعل. قالوا فيما حكي الله عنهم:(لو نشاء لقلنا مثل هذا، إن هذا إلا أساطير الأولين). حتى لو لم يكن القصص معروفاًُ لسهل على المكابر بعد معرفته أن يدعي أنه كان غير مجهول، بل لصعب جداً على غير المكابر أن يطمئن إلى أنه لم يكن معروفاً من قبل، ولاستحال إثبات ذلك إثباتاً يرتفع معه كل شك، إن لم يكن في عصر النبي