ففي ما بعد عصر النبي من العصور. فما الذي حال بين المنصفين من العرب في زمن النبي صلوات الله عليه وبين مثل هذا الشك في إعجاز القرآن وفي رسالة النبي؟ إعجاز الأسلوب! إعجاز الأسلوب حال بينهم وبين الشك
إن المعنى بعد أن صار معروفاً لهم كان يمكنهم التعبير عنه بالطبع، ولكن لا بأسلوب القرآن ولا بشيء يشتبه بأسلوب القرآن. وهذا بعض وجه الحجة عليهم في مثل قوله تعالى:(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). وسنعود فيما نستقبل من الكلمات إلى موقف صاحب الكتاب من هذه الآية بالذات كمثل ناطق بسوء فهمه وخلطه وإحالته حين يعرض للقرآن. أما الآن فيكفي أن ننبه إلى أن التحدي في الآية الكريمة بقوله تعالى (مثله) وفي غيرها من الآيات إنما هو تحد بالأسلوب قبل كل شئ، لأنهم بعد أن سمعوا بعض السور وعرفوا معناها كانوا يستطيعون أن يزعموا أن المعنى ملك للجميع، أخذوه هم كما أخذه محمد، ويعبرون عن المعنى بأي أساليبهم يرون أنه يقوم لأسلوب القرآن. ولو فعلوا وكان ذلك ممكناً لسقط التحدي به إلى الأبد. لكنهم لم يفعلوا ولم يكونوا ليفعلوا، لأنهم كانوا إزاء أسلوب لا يمكن تحديه، لا كما يزعم هذا الأفاك الأحمق إنه أسلوب في مقدور جميع الكاتبين
فالذي ينكر إعجاز الأسلوب مثل صاحب النثر الفني يلزمه حتماً أن ينكر إعجاز بعض القرآن على الأقل كالقصص القرآني أو بعضه، أسلوباً ومعنى، لأنه يستحيل عليه وقد أنكر إعجاز الأسلوب القصصي أن يزعم أن القصص نفسه معجز بالمعنى أو بالروح، كما يزعم أنه أقنع المثقفين بهذا النوع من الإعجاز في القرآن. وإذا سقط التحدي بقصص القرآن سقط التحدي بسورة من مثل القرآن، لأن كثيراً من قصص القرآن سور بأسرها، أو في قدر سورة من غير القصص، وإذن يسقط التحدي بالقرآن بأسره، لأن الله سبحانه حيت تحدي عباده بسورة من مثل القرآن لم يقيدهم بأي قيد في اختيار السورة. فلو اختاروها سورة قصص، أو جاءوا بقصص في قدر سورة ولو قصيرة من غير القصص، وكان ما جاءوا به يلتبس بالقرآن من حيث الأسلوب، لكانوا قد كسروا التحدي وبطلت معجزة القرآن بين العرب، فضلاً عمن جاء بعدهم ممن ليس له بصرهم بالفصاحة والبيان
فالنظر في هذا وتأمله جيداً وحكم عقلك ومنطقك ما شئت، تجد أن إنكار إعجاز الأسلوب