للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكوميديا الأخلاقية: شئ مغاير للكوميديا القديمة، كوميديا أرستوفانس. فهي لم تعد نقداً لنظم الحكم وتيارات التفكير، بل تصويراً لشخصيات عادية يأخذها الشاعر من الحياة اليومية، ولكنها لاتصل إلى كوميديا النماذج البشرية أمثال: ألسست وهرباجون وترتيف لموليير، تلك التي يخلقها كبار المفكرين؛ فيهتدي بها الناس إلى أنفسهم

ومع الكوميديا نجد كما قلنا الفلسفة، فقد نهضت إلى جوار الأكاديميا والليسية مدارس أخرى: مدرسة الرواق، وحديقة أبيقور، ثم مذهب إبزون والمذهب الكلبي، ونحن وإن كنا ننظر عندئذ، فلا نجد مقراً للفلسفة غير آثينا إلا في القليل من نحو ميجارا وبرقة، إلا أننا نلاحظ أن الكثيرين من فلاسفة ذلك العهد قد كانوا غرباء عن آثينا، فزينون من مستعمرة فينيقية بجزيرة قبرص وكليانتوس من مدينة أسوس بآسيا الصغرى، وكريزيبوس ولد بمدينة سوليس بآسيا الصغرى أيضاً. وفلسفتهم وإن تكن إغريقية بما فيها من تحكيم العقل والربط بينه وبين نظام العالم إلا أنها شرقية بروحها الذي يكاد يكون دينياً. ولقد نادت الرواقية بالجبر وقال الإبيقوريون بالمصادفة، وأنكر هؤلاء وجود الروح وأثبتها أولئك وتبلبلت الأفكار، فانتهى الأمر بالشك البيروني وامتدت كل تلك الآراء إلى تعاليم أفلاطون نفسه، فإذا بالأكاديمية تقول بالاحتمالية، وقد انهارت المثل فأنهار بانهيارها عنصر الثبات في المذهب. ومن هنا يتضح كيف أن كل هذه الفلسفات برغم ما في بعضها من نبل كالرواقية لم تكن بلا ريب إلا السبيل الذي قاد إلى الانحلال، وفيها إنكار للإرادة البشرية أو استسلام لأحداث الحياة أو توقف في الحكم، فيها عنصر سلبي خليق بأن يقوض حياة الشعب

ذلك ما كان من أمر آثينا التي لم يعد بها كما رأينا غير الكوميديا والفلسفة، ولكن المملكتين الأخريين قد نشأت بهما مراكز فتية للثقافة، ففي آسيا الصغرى وسوريا نشأت بمملكة السيليكيين مدن كبيرة كبرجاما وأنطاكية، وفي مصر نشأت بمملكة البطالسة الإسكندرية ونيوقراطيس وبتوليماييس وإنه وإن تكن كل تلك المدن قد ازدهرت فيها الحياة المادية والروحية إلا أن واحدة منها لم تبلغ ما بلغته الإسكندرية، ومن هنا يصطلح علماء التاريخ، كما قلنا، على تسمية العصر الذي يقع بين الإسكندر الأكبر وأوغسطس إمبراطور روما باسمها

<<  <  ج:
ص:  >  >>