للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موزعاً حسب أنواعه. فالأغاني الشخصية: أغاني الشراب والغرام ولدت وازدهرت بلزبوس الإيولية. جزيرة (ألسية) و (سافو) تلك التي قالوا إن رأس أورفيوس قد أرست بها فأوت إلى أحد خلجانها. وشعر الجوقات، شعر الجماعات، شعر النصر والمواكب قد نشأ بين الشعوب الدورية الخشنة المحمولة على الجهاد النازعة إلى الحياة القبلية والنظم الأرستقراطية: ففي طيبة ولد بنداروس وباللهجة الدورية كتب أناشيد النصر التي لدينا. والشعر الهجائي وشعر الوجدان ذهبت بهما القبائل الأيونية، وأما الشعر التمثيلي ففن آثيني في جوهره

ولقد كان لنشأة تلك الفنون بين هذه الشعوب ما يبررها، فالجنس الإيولي جنس مرهف الإحساس فنان المزاج مقبل على الحياة متأثر بأحداثها، والجنس الدوري كما قلنا جنس خشن مولع بالمعارك والانتصارات والإيونيون قوم أغنياء بمالهم وبحياتهم العقلية، والسخرية والوجدان خصائص تلازم حساسية العقل ولين الحياة. وأما الآثينيون فأهل نشاط عملي وإقدام على المغامرات ولا شك أن في المسرح ما يرضي تلك النزعات

هكذا نشأت فنون الأدب، شعبية إقليمية. ومع ذلك لم تلبث أن أصبحت إغريقية عامة، فتكونت لغة قصصية مزيج من الإيولي والإيوني والأتيكي ولغة إيولية للأغاني الشخصية ولغة دورية لشعر الجوقات ثم اللغة الأتيكية للمسرح. وبلغ من ثبات تلك اللغات الأدبية وتخصصها أن رأينا شعراء آثينا مثلاً يكتبون باللغة الدورية الأجزاء الغنائية من مسرحياتهم

تكونت إذن لغات أدبية مصطنعة , ولكن ذلك لم ينل من قوة الأدب الذي ظل متصلاً بالحياة حتى جاء عصر الإسكندرية، وقد اختلطت في المدن الجديدة الأجناس وانهار استقلال المدن القديمة وجفت الحياة العامة فنضبت ينابيع الأدب الذي لم يعد يتجه إلى الشعوب بل إلى نخبة من المثقفين. لم يعد خلقاً تلقائياً بل صناعة أو تزجية فراغ. لقد حلت فيه المهارة محل العبقرية، حل العلم محل نبض الحياة، حل الظرف والكياسة محل وثبات القلب وتأجيج القرائح

لقد نشأ أدب الإسكندرية بعيداً عن الشعب، بعيداً عن الحياة، فجاء الكثير منه أدباً متكلفاً قليل الحظ من الصدق

<<  <  ج:
ص:  >  >>