للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدراسات مع ذلك لم تكن أصيلة. كانت جمعاً لا فلسفة فيه ولا نقد إلا بمقدار. لقد امتاز هذا العصر بثقافة موحدة سمحت حتى لذوي النفوس التافهة بأن يصبحوا أدباء وشعراء وبذلك امحت الفروق الشخصية ولم يعد للأسلوب الفردي غير وجود محدود

في هذا الوسط العلمي نشأ أدب الإسكندرية، فكان نصف قائليه من العلماء. ولفهم البون الشاسع بين هذا الأدب والأدب الإغريقي القديم لا بد من أن ننظر في نشأة الفنون الأدبية المختلفة نظرة عاجلة

نشأت فنون الأدب القديمة نشأة شعبية، فالقصص والغناء وإن كانا قد ظهرا معاً ملازمين فيما يبدو لنشأة الإنسانية، إلا أن القصص الأدبي قد سبق الغناء؛ فأعمال البطولة الماضية أفعل في خيال الرجل الفطري من الحاضر والقصص خليق بأن تستجيب له نفوس رجال يعيشون في نظام ملكي، حيث للملك هيبة وجلال يحملان أفراد الشعب على الإعجاب بالأبطال السابقين. وكانت الشعوب في جملتها زرعاً وبحارة وعمالاً لا يجدون في عملهم اليومي غير حرارته التي تشغلهم حيناً، ثم ينقضي العمل غير مخلف ما يشغل النفس، أو يهز الخيال.

ولهذا صادفت ملاحم هوميروس ظمأ في النفوس حتى كان القرن الثامن ق. م. وقد انهارت الملكليات وحلت محلها نظم أرسطوقراطية أو ديمقراطية لا يتخللها الاستبداد الفردي إلا من حين إلى حين، وتقهقرت الحياة الجماعية القبلية وأخذت الشخصية البشرية تظهر وسط المجموع، وأصبح الحاضر يشغل الناس ويتعلقون به ناظرين فيما يحمل من مسرات وآلام، فظهر الشعر الغنائي بما يحمل من عنصر شخصي ومن أصداء الحاضر.

وسارت الحياة وقد أصبح الإغريقي لا يقنع بالقصص أو الغناء بل يود لو تُصوَّر حياته وحياة آلهته ليراها بعيني رأسه ويشهد أحداثها بما فيها من معان فنشأ الشعر التمثيلي في القرن الخامس

وكانت نشأة تلك الفنون موزعة بين الشعوب الإغريقية، فالقصص نشأ في إيوليا بآسيا الصغرى حتى ليكاد ينحصر الخلاف الجدي عن مولد هوميروس بين جزيرة كيوس ومدينة أزمير، ومن إيوليا أنتشر في إيونيا لينتهي أخيراً إلى أتيكا بأوروبا حيث دون بأمر بيزيستراتس مستبد آثينا في القرن السادس قبل الميلاد. وأما الشعر الغنائي فقد ظهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>