إن نظام المدرسة اليومي، رغم تكراره اليومي، لا يدعوا إلى السأم ولا إلى الملل - ذلك أنه نماء متدفق وتجديد مستمر، مرحلة بعد مرحلة وعاماً بعد عام، بل يوماً بعد يوم
هذا التكرار اليومي لهذا العهد المدرسي لا يحيله جموداً، بل هو يزيد في معناه ثبوتاً ورسوخاً وخلوداً، ويرتفع به إلى طبقات ليس فيها غير صفاء النفس، ودوام الربط، وسعادة الذكر. . .
بل إن هذا التكرار المتنوع المستمر يصهر النفوس الناشئة صهراً هيناً ليناً شديداً قوياً يجعلها صالحة للعمل صالحة للبقاء
وهو العهد الذي يشعر فيه الإنسان مهما كان صغيراً، أنه قوة، وأنه ينمو، وأنه سيصير قوة أخرى
حركة دائمة، وتنافس محبوب، وآمال متتابعة، وحياة لها كل المستقبل ولا تنسى أبداً
هي الوحدة الموسيقية التي تضبط خطى الجيل، والتي تربط بين أفراده وهم يسيرون في الحياة لخدمة الأوطان. هنالك تتجلى عظمة هذه الموسيقى إذا ارتفعت بالنفوس إلى مراتب التضحية وخدمة المجموع
نعم ما أحلاه عهداً، وما أحبه إلى النفوس عوْداً، فكلما تقدم المرء في السن كلما عرف قدره، وعاد به الحنين إلى تلك السنين
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم ... عهود الصبا فحنوا لذالكا
يود المرء أن يرجع إلى هذا العهد الذي أقام له بينه وبين إخوانه زمالة هي زمالة الدهر، والتي هي أسمى من قرابة اللحم والدم، ورب صداقة خير ألف مرة من قرابة، وإذا لم يكن القريب صديقاً فهو والغريب سّواء بل أشد غرابة
وهل أشق على التلميذ من فراق الإخوان، وهل أحب إليه من العودة بعد الإجازات لرؤية الإخوان!
قد تمر الفترات يكره فيها البعض مدرسته، يرجو هدمها ويتمنى حرقها!! ولكنه لا يدري أنه يحبها. . . ويحب العودة إليها، يلعب كما كان يلعب، ويعيش كما كان يعيش، لا يحمل العبء الذي يحمل، لا هرباً منه، إذ ليس منه مفر، وإنما حباً وحنيناً إلى تلك التي كان يظن