البساسيري، والمؤيد يمعن في الرفض كلما أمعن الوزير في الإلحاح، حتى اضطر الوزير أن يقول للمؤيد:(افتقرنا إليك وافتقرت الدولة والإسلام والمسلمون، وديانتك تقضي أن تصرخ صريخهم وتجير مستجيرهم). فسخر المؤيد من كلامه هذا، وأجابه متهكما:(سبحاني سبحاني إن كنت بهذه المثابة ومحلاً لهذه المخاطبة!) ولكن الوزير ازداد إلحاحاً واشتد دفع المؤيد، وأخيراً قبل المؤيد أن يتولى هذا الأمر بشرط أن يخرج توقيع الإمام المستنصر بأن لا يوجه إليه لوم لو فشل في مهمته؛ فأجيب إلى ذلك وصدر التوقيع وبه الإنعام على المؤيد بخلع الوزارة، ودعي المؤيد للبسها ولكنه رفض، واعتذر عن ذلك مفضلاً أن يظل في زي أهل العلم
وأخذا الركب في السير بين جلبة عظيمة، والناس في عجب من أمر المؤيد الذي قبل السفر في هذه المهمة الشاقة؛ فقد كان مقدماً على خطر جسيم وعمل لا يستهان به، وهو قلب نظام الحكم في العراق وإسقاط الدولة العباسية. والغريب حقاً أن يطلب المؤيد ألا يصطحب معه جنداً واكتفى بما معه من خزائن المال والسلاح
تجاوز الركب حدود مصر في طريقه إلى الرحبة، وكان اليازوري قد نصح المؤيد بالابتعاد عن ابن صالح المرداسي صاحب حلب، لأنه نقض عهد الفاطميين واستقل ببلاده، فصار عدواً للفاطميين بعد أن كان تابعاً لهم، ونصحه كذلك أن يصطنع عدداً من الكلبيين ليحاربوا مع البساسيري، فكانت هذه النصائح موضع تفكير المؤيد طول سفره، حتى بلغ دمشق ومكث ليستريح قليلاً، نراه يكاتب ابن صالح ويعرض عليه العودة إلى الدعوة الفاطمية، بل يطلب منه مساعدته في حروب العباسيين، وأخذ يعد ابن صالح في كلام طويل أثبت المؤيد نصه في سيرته، ولست أدري كيف استجاب ابن صالح إلى المؤيد؛ فأعاد الخطبة على المنابر باسم المستنصر الفاطمي، وذهب هو نفسه لمقابلة المؤيد الذي خلع عليه ولقبه بتاج الأمراء. ثم نرى ابن صالح وجيشه ينضمون إلى المؤيد ويسيرون معه لمحاربة العباسيين، والواقع أن تحول ابن صالح بسهولة تعد من أغرب ما ذكره المؤيد لأن المؤيد، لأن المؤيد استطاع بخطاب منه أن يكبح جماح ثائر له خطره وقوته، بل استطاع أن يتخذ منه عوناً وعضداً. ثم استطاع أن يسترجع حلب إلى أملاك الفاطميين، كل ذلك تم بخطاب من المؤيد إلى ابن صالح. أما الأسباب التي جعلت ابن صالح يقبل هذا كله فهذا ما لم نستطع تعليله