للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والدهور

أما كفى البشر ما قاسوه حتى الآن من فظائع التقتيل والتخريب، وما كابدوه من ضورب الشقاء والحرمان! وما تحملوه من وطأة الأوبئة والمجاعات!

لقد هللوا كثيراً لاختراع السيارات والطيارات واستبشروا خيراً بتقدمهم الباهر في صناعة الكيمياء واللاسلكي، وعّدوا العصر الذي نعيش فيه عصراً للرخاء البشري والتمدن العالمي. فكانت النتيجة كالعسل الممزوج بالسم يحلو طعمه ويقتل مذاقه كيف لا وقد انقلبت السيارات الوفيرة في هذه الحرب الآلية الطاحنة دبابات تزرع الويل والثبور، وتبدلت الطائرات الجالبة الغبطة والحبور قاذفات تلقي على الأرض أفدح الشرور. هكذا الأجهزة اللاسلكية والسوائل الكيماوية التي كانت نعيماً للأرواح والأبدان قد تحولت جحيما لاهبة وغازات خانقة. . .

ما شاء العلماء ولا أئمة الفكر والاختراع أن يجنوا على الإنسانية بمختلف علومهم ومستحدثاتهم. فهم صفوة خلق الله وأكثرهم نفعاً لعباده. لكن الغريزة البشرية المرتكزة على الجشع وحب الأثرة هي التي تحول الخير شراً والعلم ضراً. وستبقى هكذا عائشة في مقررات الحياة البشرية ما دامت وسائل علاجها مستعصية على مدارك علماء النفس والجسد، وسر إصلاحها مغلقاً في وجوههم

ولهذا أعتقد أن الأخلاق الشاذة والغرائز الملتوية في هذا الكائن المجهول الذي يُدعى الإنسان، لا تتعدل ولا تتغير، بمجرد تعديل الأنظمة أو تغيير القوانين. فمهما يُبدع المصلحون والمشترعون يظل إبداعهم حبراً على ورق، ما لم يؤتوا علماً راهناً يسيطر على الغرائز البشرية نفسها، ويتمكن من التحكم في عناصرها الأصلية، ليتم له تعديل نزعاتها وتوجيهها توجيهاً صالحاً لقبول الأنظمة المستجدة والشرائع المستحدثة

فنتائج الحرب الماضية ما تزال ماثلة للعيان، وهي حرب تعد في مجموع خسائرها أعظم حرب عرفها التاريخ - ما خلا هذه الحرب - زُهقت فيها الأرواح بالملايين، ناهيك بفظاعة تدميرها، وفداحة الأوبئة والمجاعات التي انتشرت بسببها في معظم أنحاء الأرض، وفتكت بالناس فتكا ذريعاً، حتى أمست ضحاياها تزيد على ضحايا المعارك زيادة هائلة

فماذا جنت الإنسانية من هذه الخسائر الجسيمة؟ لقد انتهت تلك الحرب المشؤومة وأسفرت

<<  <  ج:
ص:  >  >>