للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن عصبة أمم كسيحة، لم تقو يوماً على تطبيق الشرائع والأنظمة التي استحدثتها لسلامة الأمم والشعوب. ولم تتمكن من مجابهة المغيرين الذين كانوا ينتهكون حرمة قوانينها ويعبثون بشرائعها. والاعتداء على بلاد الأحباش وعلى الصين، وبقاء العصبة مكتوفة اليدين تجاههما، يدل دلالة واضحة على إفلاسها

غير أنها ولو باءت بالفشل وانتهت بالهزيمة؛ فإنشاؤها عقيب الحرب الماضية يعد محاولة في سبيل الإصلاح. وهي لعمري محاولة لها قيمتها ووزنها في ميدان التجدد الفكري واليقظة الاجتماعية. لأنها تبرهن على الوعي البشري الذي شمل العالم المتمدن، حتى أصبح يرى من الضروري إنشاء عالم أفضل من عالمنا، يحفظ حقوق الناس على اختلاف أجناسهم، ويسبغ عليهم جميعاً نعم الحياة وخيراتها

أجل إن عصبة الأمم لم توفق لإنشاء هذا العالم المنشود. وقد جرنا فشلها وفشل ما سبقها من المعاهدات الناقصة إلى هذه الحرب الضروس التي أثقلت كاهل الإنسانية. فأقفرت أرضها ودُكت معالمها، ويُتم أطفالها، وقُضي على خيرة شبابها

فما وراء هذه الحرب، أرخاء ووفاق يشمل العالم بأسره، أم بلبلة وشقاق؟ لا أدري. لكني أتفاءل خيراً بتدرج الإنسانية نحو المثل العليا التي تضمن سلامها ورخاءها ورقيها

فميثاق الأطلنطي بادرة أمل ورجاء. إذا تمكن العالم في الغد من تطبيق بنوده وتعميم نفعه، صحت الآية القائلة: على الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر

ولكن لا يعزب عن بال المصلحين أن الطبيعة البشرية أمارة بالسوء. فمن الواجب درسها وتمحيصها على ضوء العلم، والتغلغل في أعماق جذوعها، لتفهم عناصرها واستقصاء أطوارها. فعندئذ لا يصعب على البشر أن يتبينوا لها طريقاً قويماً. فبمقدار ما تصلح الطباع البشرية يصلح الكون

(بيروت)

توفيق حسن الشرتوني

<<  <  ج:
ص:  >  >>