ولنرجع إلى ما قبل ذلك مع المويلحي الأب حين أصدر هو وعثمان جلال صحيفتهما (نزهة الأفكار) سنة ١٨٦٩، وكانت شديدة اللهجة فلم يلبثها إسماعيل باشا حتى ألغاها. فهل كان ما تكتب هذه الجريدة كلاماً خالياً من الفكر حتى يلغيها إسماعيل؟ وأسأل الدكتور ثانياً هنا: أكان الابن محمد قد ولد في هذا الوقت أم لم يولد؟
أحسبك هذا يا سيدي أم تريد التوغل إلى الوقائع المصرية التي أسست سنة ١٨٢٨، وما كانت تنشر من بحوث علمية وأدبية واجتماعية وفلسفية ودينية وقانونية منذ أسست، لأنها لم تكن قبل كما نراها اليوم قاصرة على الأمور الرسمية، بل كانت تتسع لكل ما تتسع له جرائدنا اليوم، فقد كتب فيها رفاعة وأصحابه وتلاميذه ومحمد عبده وتلاميذه، ثم صحيفة (اليعسوب) الطبية التي أنشأها محمد علي البقلي باشا سنة ١٨٦٥ وجريدة وادي النيل التي أسسها عبد الله أفندي أبو السعود سنة ١٨٦٥ ومجلة (روضة المدارس) التي أسست سنة ١٨٧٠، وفيها يقول المفصل:(كانت تفيض بسابغ الفصول فيها أقلام أئمة العلم والأدب من أمثال رفاعة بك وعلي مبارك باشا وإسماعيل باشا الفلكي والشيخ حسين المرصفي وعبد الله باشا فكري، والواقع الذي لا مرية فيه أن هذه المجلة كانت مما نفخ في روح النهضة اللغوية والأدبية في هذه البلاد)، وفيها قال الزيات:(مجلة علمية أدبية يحررها نخبة من ذوي المكانة في العلم والأدب)
وما ألف وترجم رجال الثقافة في مصر في القرن التاسع عشر من كتب في العلوم المختلفة إلى منتصف العقد العاشر قبل تأسيس مصباح الشرق. أكل أولئك كان لغواً من القول وزوراً حتى ظهرت القصة وهي المعجزة السحرية التي أجراها الله على يد محمد المويلحي في حديث عيسى بن هشام، فأخذت كما قلت تغذي السجع بمادة الفكر، وتنقله من التفاهة إلى الجد، وهل خفي على الأستاذ وهو يتعرض لتاريخ الثقافة في العصر الحاضر أنها بدأت علمية؟
أما القضية الثانية وهي أن القصة تأثر سجعها بمادة الفكر حتى انتقلت من التفاهة إلى الجد ثم امتد ذلك إلى المقالة أو الموضوع القصير - فنحن لا نوافق الأستاذ على رأيه فيها - فما قدمناه في الرد على القضية الأولى يكفي لبيان فساد الثانية، لأن ما كتب أولئك الأئمة