اغتنم الشحاذ الشيخ فرصة غياب (تريفور) فجلس يستريح على مقعد خشبي كان موضوعاً خلفه، حقيراً بائساً؛ حتى أن (هيو) لم يملك نفسه من الحزن عليه، فمد يده إلى جيبه ليرى مقدار ما معه من الدراهم، فكان كل الذي وجده ديناراً وبضعة دوانق، فقال لنفسه (مسكين الشيخ إنه أحوج مني إلى هذه الدراهم) وسار وسط (الستديو) ورمى الدينار في يد الشحاذ.
فزع الشيخ وارتسمت على شفتيه الذابلتين ابتسامة ضئيلة وقال: أشكرك يا سيدي. . أشكرك. .
ثم حضر (تريفور) فاستأذنه (هيو) بالانصراف إلى (لورا) حيث أمضى النهار وتمتع بتعنيف لذيذ على إسرافه.
وفي تلك الليلة؛ حوالي الساعة الثانية عشرة، ذهب إلى نادي (باليت) فوجد (تريفور) جالساً وحيداً في غرفة التدخين يعاقر بنت الحان؛ فقال له وهو يشعل سيجارته.
- خيراً (ألن). . هل أنهيت الصورة!
فأجاب تريفور - لقد انتهت يا ولدي، وأحيطت بالإطار؛ وعلى ذكر الصورة أخبرك أنك حزت ظفراً عظيماً نهار الأمس، إن ذلك الأنموذج الشيخ الذي رأيته معجب بك كل الإعجاب ولقد أخبرته عن كل ما يتعلق بك. . من أنت؟ وأين تعيش؟ وكم دخلك! وما هي مطالبك من الدنيا؟. . .
صاح (هيو) - يا عزيزي ألن، أخاف أن أجده في انتظاري كلما ذهبت إلى البيت؛ ولكنك تهزل. . مسكين هذا الشيخ الفقير.
آه! لو أقدر على نفعه. . إنه لشديد أن يعيش إنسان في مثل بؤسه؛ عندي في البيت تلال من الثياب القديمة، فهل تظن أنه يهتم بثوب منها؟ ولم لا؟ إن خرقه أخذ منها البلى مأخذه. .
تريفور - ولكنه يبدو في أطماره زاهياً، إن ما تسميه أنت اطماراً أسميه أنا حللاً، وما يظهر لك أنه الشقاء هو مثال البهاء عندي. . وعلى كل حال فسأخبره عن هديتك.
هيو جاداً - إنكم بلا قلب أيها الرسامون.
أجاب تريفور - قلب الفنان رأسه، ليس الإصلاح صنعتنا وإنما تصوير العالم كما نراه ولكل صنعته. . والآن حدثني عن (لورا) كيف هي؟ لقد أغرم بها الأنموذج كثيراً.