ويتصرف فيه من الخارج بينما ينظر الأول إلى الله على أنه يكون مع الطبيعة شيئاً واحداً ويعمل في الكون من الداخل باعتباره (قوة) أو (طاقة). فالفرق الجوهري بين مذهب وحدة الوجود ومذهب المؤلهة، ينحصر في مسألة علو الله على الكون ومباينته له. أو بطونه فيه ومحايئته له
وإذا نظرنا الآن إلى هذه المسألة نظرة عقلية خالصة، فإننا نجد أن الأدنى إلى الصواب أن يكون الله باطناً في الكون، لا عالياً عليه: ذلك أن الذات الإلهية لا يمكن أن تكون ذاتاً مشخصة، وإلا كانت محدودة معينة، فلا بد لنا إذا أردنا أن ننزه الله التنزيه الواجب، أن نتجنب كل ضرب من ضروب التشبيه أو التجسيم أو التشخيص، فنقول إن الله ليس كمثله شئ، أي أنه ليس لذاته حد ولا وصف. ولما كانت الصفة الوحيدة التي نستطيع أن ننسبها إلى الله (وهي في الحقيقة صفة سلبية خالصة)، هي أنه غير متناه، فلا يمكن أن يكون هناك شيء غير الله، ولا بد إذن بالتالي أن يكون العالم جزءاً منه.
وعلى ذلك فإن الكون مظهر الله، أو مجلي من مجاليه، إذ لو كان ثمة شيء غير الله، لكان الله محدوداً، ولما وجد في كل مكان هذه هي الحقيقة الجوهرية التي يقوم عليها مذهب وحدة الوجود، وهي عندي حقيقة ثابتة تتأيد بكل وجه من الوجوه، وقد انبرى جيته للدفاع عنها، فقال عنها:(إن من خطل الرأي أن نتحدث عن الله باعتباره منفصلاً أو مستقلاً عن الطبيعة، فإن الفصل بين الله والطبيعة هو بمثابة الفصل بين النفس والبدن. وإذا كنا لا نعرف النفس إلا عن طريق البدن، فكذلك نحن لا نعرف الله إلا عن طريق الطبيعة. فمن التعسف إذن أن نكيل التهم لأولئك الفلاسفة الذين يوحدون بين الله والطبيعة، وليس من شك في أن كل ما هو موجود لا بد أن يكون متعلقاً بالجوهر الإلهي، لأن الله هو الموجود الوحيد الذي يشمل وجوده سائر الموجودات ويستوعبها جميعاً. . . وإن الكتاب المقدس نفسه لهو بعيد عن معارضة هذه الحقيقة، على الرغم من أننا نختلف في تفسير عقائده حسب ما يتراءى لكل واحد منا)
وفي استطاعتنا أن نضيف إلى عبارة جيته، أن الكتاب المقدس ينطوي على أقوال تؤيد وحدة الوجود بصراحة، فإننا نجد عبارة للقديس بولس يقول فيها:(إننا في الله نحيا ونتحرك ونوجد)، وعبارة أخرى يقول فيها:(إن منه (أي من الله) وبه، وله كل الأشياء)،