أتريد أن تنتظر حتى يستيقظ؟ لنشرب في مرح. أيام أخرى قلائل - أيها المسكين - ثم يطويك الظلام الرحب تستريح بين أحضانه)
أو ما تحس في شعره بجمال الأسرار. جمال الاعترافات. نجوى نفس أليفة. شاعر مرهف
وخير من ألكيبيادس فيما أظن ليونيداس الترنتي من شعراء القرن الثالث ق. م. ولد فقيراً وعاش مشرداً، فتوثقت معرفته بالحياة. كتب لوحات للمقابر والنذور ومحفورات للتماثيل وصوراً للشعراء والفنانين وقطعاً فلسفية وأخلاقية، كتب الكثير منها لصغار الناس: صيادين وعزّالات يحملون القربان إلى الآلهة أو يموتون لشدة الكد في الحياة، ومن ثم واقعية شعره وألفاظه الملونة بالمهن المختلفة، ألفاظ دقيقة تشف عن عاطفة حيِيَّة. لقد عبر في سحر عن جمال الحياة الفقيرة الجاهدة كما عبر عن روعة الربيع وصفاء الينابيع استوحى مثلاً الشاعر القديم سيمونيدس فوصف حقارة الحياة. وصف تلك النقطة، الهروب بين أبديتين: أبدية الماضي وأبدية المستقبل
(لقد انقضى أيها الرجل زمن سحيق قبل أن تأتي إلى الحياة وسينقضي زمن سحيق بعد نزولك إلى هاديس (العالم الآخر). ما هي برهة حياتك؟ نقطة أو أقل من ذلك، وهذه الحياة شاقة، فاللحظة الراهنة ذاتها لا سرور فيها، بل إنها لأشد إيلاماً من الموت البغيض. اهرب إذن من الحياة، اهرب إلى المرفأ)
ولربما كان أقوى الجميع ملياجر الذي جمع مختاراته المسماة (بالتاج) فكانت نواة للمختارات الإغريقية التي بين أيدينا. ولنستمع إليه يرثي هليودورا حبيبته:
(لتذهب إليك دموعي، هليودورا، هدية! لتذهب إلى هاديس كأثر مقدس لحبي! دموع قاسية الإراقة. هأنا أسكب فوق قبرك الذي طالما بكيته، أسكب الأسى ذكرى لغرامي. أنا ملياجر، أئن من أجلك أيتها العزيزة الراحلة، أئن في ألم، ألم مبرح. قربانا للأكيرون لا خيرَ فيه. وا أسفاه! أين غصني الأخضر الذي طالما أحببته! لقد سلبني إياه هاديس، وهذه الزهرة المتفتحة قد غبرها التراب، آه إنني أضرع إليك جاثياً، أضرع إليك أيتها الأرض الكريمة الثمار أن تتقبلي في رفق من الطفلة المبكية، تقبليها في رفق أيتها الأم وضميها إلى صدرك، بين أحضانك)