وهنا أيضاً دعنا نكتفي بتيوقريطس؛ فهو أكبر شعراء الرعاة، بل أكبر شعراء عصر الإسكندرية، ولعله من كبار شعراء الإنسانية، ولنوجز ما نريد معرفته عنه لنستطيع بعد ذلك أن ننصت إلى شيء من شعره وفيه ما يبعث النضرة في القلوب
ولد تيوقريطس في سيراكوسة بصقلية في السنوات الأخيرة من القرن الرابع ق. م. وأمضى جزءاً من حياته بجزيرة كوس حيث تعرف إلى الشاعر فيليتاس ومدرسته كما تعرف بألكبيادس الساموسي السابق الذكر وبأراتوس، وعاش جزءاً آخر في إغريقية الكبيرة (= جنوب إيطاليا). أرسل قبيل سنة ٢٧٠ ق. م. إلى هيرون مستبد سيراقوسة قصيدة مدح ليمنحه رعايته ولكنه لم ينجح فانصرف بمديحه إلى بطليموس فيلادف وعاش في الإسكندرية بعض الزمن. وأما تاريخ موته فلا نعرفه على وجه التحقيق
لدينا من شعره عدد من المقطوعات الصغيرة ثم ثلاثون قصيدة تسمى (إيدليا) وهذه اللفظة تصغير للفظة إبدوس الإغريقية، وإبدوس معناها قصيدة غنائية إطلاماً واذن فالإيديليا هي القصائد أو اللوحات الصغيرة. ولكنه لما كانت قصائد الرعاة تغلب في المجموعة؛ فقد غلب هذا المعنى على اللفظ في العصور الحديثة
ولكن شعر تيوقريطس في الحقيقة ليس كله من أغاني الرعاة؛ فمن بين الثلاثين قصيدة تسقط خمساً منتحلة واثنتين كشوك فيهما، وننظر في الباقي فنجد من بينها أغاني الغرام وفصول المحاكاة التي تشبه أشعار هيرونداس. ومنها الريفيات التي تجمع بين الغناء والمحاكاة، ومنها القطع القصصية، ومنها الأناشيد، وأخيراً منها المدائح
كل ذلك إلى جوار أغاني الرعاة
لقد تملك تيوقريطس القدرة على الإحساس؛ ثم القدرة على خلق شخصيات حية في أسلوب شخصي. لقد استمر الرجل الطبيعي حياً فيه. استمر فلم يقتله الأديب. فهو يرى العالم: يرى صيغة وألوانه وعبيره. الكأس لا يزال يفوح فخاره، وفروة الراعي ليكيداس تشتم منها الخميرة، وروائح الخريف تطفو في أعياد التاليسيا. وعذوبة الماء والظلال، ولين المخدع من أوراق الكرم، كل هذا يدركه تيوقريطس مختلطاً بخرير الينابيع وتغريد العندليب
الفكرة المسيطرة عند تيوقريطس هي الحلم بالحياة الريفية. وهذا شعور كثيراً ما يظهر في