عصور الحضارة. وموضع المشقة فيه هو أن يأتي طبيعياً. وبهذا تميز تيوقريطس عن غيره من اللاحقين.
الطبيعة عنده ليست الطبيعة القاسية التي عرفها هزيودوس، ولا الطبيعة الحزينة الحالمة، التي تغنى بها فرجيليوس، ولكنها طبيعية مشرقة يراها الشاعر دائماً في فصل الضوء بأعلى الجبال حيث ترعى القطعان. وما نظن شاعراً قد حملنا على الإحساس بأواخر الصيف وأوائل الخريف مثلما فعل تيوقريطس في وصف التاليسيا، العيد الذي أشرنا إليه فيها سبق:
(أهداني ليكيداس في ابتسامة عذبة عصاه، أعطاها رمزاً لصداقتنا باسم ربات الوحي؛ ثم اتجه إلى اليسار متابعاً طريق البسكا، وأما إقريطس وأنا وأمينتوس الجميل؛ فقد يممنا بيت فرازيداموس، حيث رقدنا فوق أسرة كثيفة من ورق الكرم النضر. وكان كثير من السرو والعبل يترنح فوق رءوسنا غير بعيد من الموجة المقدسة التي تخر من كهف النامف
وفي الأعشاب المشتبكة كانت الصراصير التي أحرقتها حرارة الشمس تغني حتى بح صوتها، والضفدعة الخضراء تصيح قصية تحت الأشواك المتداخلة. والقبرة وعصافير الجنة تغرد، واليمام يئن، والنحل الأصفر يطن حول الينابيع. من كل فج كانت تنبعث رائحة الصيف، وقد مازجها عبير الخريف، والكمثري والتفاح تتساقط وفيرة على أرجلنا وإلى جانبنا، وقد ثقلت الأغصان بالبرقوق، فتدلت حتى مست الأرض. وأزيل عن الدنان طين عتيق. يا نامف كاستاليا: يا ساكنة. البرناس! هل قدم كيرون العجوز كأساً كهذه إلى هرقل في كهف الفولوس الخصيب؟ ليتني أستطيع أن أعود فأضع المذراة في القمح، بينما تضحك هي وقد امتلأت يداها بالسنبل والحبوب)
هذه لوحة ناطقة موحية. سر جمالها في بساطتها وصدقها؛ فالشاعر يسمي الأشياء بأسمائها، وهو أرهف حساً من أن يصطنع لغة شعرية متحجرة. فالضفدعة والصرصار لم يتحولا تحت قلمه إلى كروان وعندليب، وكل من يعرف الريف يذكر صدق ما وصف. وبفضل طبيعية أسلوبه نحس بأعقاب الصيف وأوائل الخريف وقد غمرها الشعر، فإذا هي أفعل في النفس من الواقع.
وما يحبه تيوقريطس من الرعاة هو بساطتهم: شعر أشعث وحزام من جلد الشجر، وفتاة