دعيني يا بنات الشعر أبكي ... على ما نالت الأيام مني
أمان مِتْن في قلبي صغاراً ... كما ذوت الأزاهر فوق غصن
وزرع طاب لم أقطف جناه ... وكم بذرت يداي ولست أجني
وأهل أصبحوا بدداً وشدوا ... إلى دار النوى أرحال ظعن
ولست أطيق بعدهم، ولكن ... أروح عن فؤادي بالتمني
فكوني يا بنات الشعر أهلي ... وأشياعي لدى البلوى وركني
وغنّى من أساك وألهميني ... فبينك في الهوى عهد وبيني
أراك بخاطري وأودأني ... أراك بناظري وأن تريني
إذن أشفقت من وجدي وسقمي ... وشفّك لاعجي وشحوب لوني
ولسمعناه يستعبر قائلاً:
أحن إلى الماضي كما يذكر الحمى ... طليح نوى ترمي به الفلواتُ
وأندب أيامي اللواتي تصرمت ... لشعري إذا ضمتني الخلوات
وفي الشعر تأساء وفيه رفاهة ... وفيه لقلب ياقظ نشوات
أنيم به حزني كما يبعث الكرى ... إلى عين طفل صارخ نغمات
وأكذب نفسي أنني إن صدقتها ... أغار عليها الهم والحسرات
لقد ألفت نفسي الشقاء وإن يكن ... أليماً فمن آلامه الخطرات
وما يحسن الأشعار إلا معذب ... تضرّمُ في أحنائه الحرقات
ولو كان كل ناعماً في حياته ... لما بهرتكم هذه النفحات
لقد صنعت لنا الآلام من رامي هذا الشاعر المرهف الحس، الدقيق الشعور، الذي حرك ألسنتنا كما ملأ عواطفنا، بأغانيه ولعل كارثته في المغفور له والده العزيز - الدكتور محمد رامي - المتوفى بالقاهرة يوم الأحد ٢١ سبتمبر ١٩١٩، هي التي وجهت قلب رامي، أو شعره، تلك الوجهة الإنسانية التي تجتمع فيها عواطف الألم والرحمة والرثاء للضعفاء، وإسعاد المحزونين، وتمني الخير للناس جميعاً. . . وذلك أن الشاعر قد ألقيت على كاهله بوفاة والده مسئوليات عائلة كاملة، فيها الأم البارة الرؤوم وفيها الأخوة الصغار الخُضْر كأفراخ القطا، وفيها الشاعر نفسه الذي لم يكن يغنى، وينظم خلجات شبابه الغض وصباه