به إلى والي المدينة وهو سعيد بن العاص، وقيل مروان بن الحكم، فسأل سعيد عبد الرحمن أن يقبل الدية عن أخيه، وقال له: أعطيك ما لم يعطه أحد من العرب، أعطيك مائة ناقة حمراء، ليس فيها جَدَّاء، ولا ذات داء. فقال له عبد الرحمن: والله لو نقبت لي قبتك هذه ثم ملأتها ذهباً ما رضيت بها من دم هذا الأجدع. فلم يزل سعيد يسأله ويعرض عليه فيأبى، ثم قال له: والله لو أردت قبول الدية لمنعني قوله:
لَنَجدْ عنَّ بأيدينا أنوفكم ... ويذهب القتل فيما بيننا هدرا
فدفعه سعيد إليه ليقتله، وكان الأولى أيضاً أن يتولى قتله بنفسه
فلما مضى من السجن إلى القتل التفت فرأى امرأته وكانت من أجمل النساء، فقال:
أَقِلِّي عليَّ اللومَ يا أَمَّ بوزعا ... ولا تجزعي مما أصاب فأوجعا
ولا تنكحي إن فَرَّق الدهر بيننا ... أغَمَّ القفا والوجه ليس بأنزعا
كلِيلاً سوى ما كان من حد ضرسه ... أُكَيْبدَ مِبْطانَ العشيات أروعا
ضروباً بلحييه على عظم زَوْرِهِ ... إذا الناس هشوا للفعال تَقنَّعا
وحُلِّي بذى أكرومة وحميَّة ... وصبر إذا ما الدهر عض فأسرعا
فمضت إلى السوق حتى انتهت إلى قصاب فقالت له: أعطني شفرتك وخذ هذين الدرهمين وأنا أردها عليك. ففعل فقربت من حائط وأرسلت ملحفتها على وجهها، ثم جدعت أنفها من أصله، ثم ردت الشفرة وأقبلت حتى دخلت بين الناس وقالت: يا هدبة، أتراني متزوجة بعد ما ترى؟ قال: لا الآن طاب الموت
ثم خرج يرسف في قيوده فإذا هو بأبويه يتوقعان الثُّكلَ وهما بسوء حال، فأقبل عليهما وقال:
أبلياني اليوم صبراً منكما ... إن حزناً إن بدا باديُّ شر
لا أراني اليوم ميتاً ... إن بعد الموت دار المستَقرْ
اصبرا اليوم فإني صابر ... كل حَيٍّ لقضاء وقَدَرْ
فلما دفع هدبة إلى عبد الرحمن ليقتله استأذن في أن يصلي ركعتين، فأذن له فصلاهما وخفَّفَ، ثم التفت إلى من حضر فقال: لولا أن يظن بي الجزع لأطلتهما، فقد كنت محتاجاً إلى إطالتهما. ثم قال قبل أن يقتل: