صاحبه في شعره، وجرت بينهما في ذلك أشعار كثيرة روى صاحب الأغاني بعضها، ولم يزل هدبة يطلب غرة زيادة حتى أصابها فبيته فقتله، ثم تنحى مخافة السلطان. وكان على المدينة يومئذ سعيد بن العاص؛ فأرسل إلى عم هدبة وأهله فحبسهم بالمدينة. فلما بلغ هدبة ذلك أقبل حتى أمكن من نفسه، وتخلص عمه وأهله؛ فلم يزل محبوساً حتى شخص عبد الرحمن أخو زيادة إلى معاوية بدمشق؛ فأورد كتابه إلى سعيد بأن يقيد من هدبة إذا قامت البينة فأقامها؛ فمشى رهط هدبة إلى عبد الرحمن وسألوه قبول الدية فامتنع. وقال:
أنختم علينا كلكل الحرب مرة ... فنحن منيخوها عليكم بكلكل
فلا تدعني قومي لزيد بن مالك ... لئن لم أُعجل ضربة أو أُعجل
أبعد الذي بالنعف نعف كويكب ... رهينة رمس ذي تراب وجندل
أُذكر بالبقيا على من أصابني ... وبقياي أني جاهد غير مؤتل
وقيل إن سعيد بن العاص كره الحكم بين هدبة وعبد الرحمن. فحملهما إلى معاوية بدمشق؛ فلما صارا بين يدي معاوية قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين أشكو إليك مظلمتي، وقتل أخي، وترويع نسوتي. فقال معاوية لهدبة: قل. فقال هدبة: إن هذا رجل سَجَّاعةٌ، فإن شئت أن أقص عليك قصتنا كلاماً أو شعراً فعلت. فقال له معاوية: لا بل شعراً. فقال هدبة:
ألاَ يا لقومي للنوائب والدَّهر ... وللمرء يُردى نفسه وهو لا يدري
وللأرض كم من صالح قد تأكمتْ ... عليه فوارته بِلَمَّاعةٍ قَفْرِ
فلا تتقي ذا هيبة لجلاله ... ولا ذا ضياع هن يتركن للقفر
إلى أن قال:
رمينا فرامينا فصادف رمينا ... منايا رجال في كتاب وفي قَدْر
وأنت أمير المؤمنين فمالنا ... وراءك من مَعْدىً ولا عنك قَصْر
فإن تك في أموالنا لم نضق بها ... ذراعاً وإن صبر فنصبر للصبر
فقال له معاوية: أراك قد أقررت بقتل صاحبهم. ثم قال لعبد الرحمن: هل لزيادة ولد؟ قال: نعم، المسور، وهو غلام صغير لم يبلغ، وأنا عمه وولي دم أبيه. فقال له معاوية: إنك لا تؤمن على أخذ الدية أو قتل الرجل بغير حق، والمسور أحق بدم أبيه
ثم رد معاوية هدبة إلى المدينة، فحبس ثلاث سنين حتى بلغ المسور، فذهب عبد الرحمن