اكتساب الغلب. فالسجع حسب هذا الكلام من صاحب الكتاب كان غالباً في العصر النبوي، وظل غالباً في العصر الأموي، وإن إلى درجة أقل، ثم ازداد غلبه وظهوره في أواخر القرن الثاني. فلا معنى إذن لقوله بعد ذلك إن طلائع هجوم السجع بدأت تظهر في القرن الثالث في حين لم يسبق قول بأن السجع فقد الغلبة التي كانت له في القرنين الأولين إن صح ما زعم صاحب الكتاب
فالمسألة كما ترى ليست مجرد عدم دقة في التعبير ولكنها في حقيقتها قلة تحقيق وعدم دقة في التفكير
لكن من عجيب أمر صاحب الكتاب، وذاك كلامه عن السجع في القرنين الأولين، أن يسمى السجع في القرن الثالث بدعة كما ترى من قوله في صفحة ٨٣:
(ومن أظهر الدلائل على ذيوع بدعة السجع في القرن الثالث ما رأيناه من حرص ابن داود على وضع عناوين الفصول مسجوعة في كتاب الزهرة)، وهو لم يكن ذكر قبل أن السجع كان قد اختفى أو تضاءل لا في القرن الثاني ولا في أوائل القرن الثالث حتى يصح إذا عثر على نص منه أو نصوص في أواسط القرن الثالث أو أواخره أن يعد ذلك بدعة ذاعت يستدل على ذيوعها باطراد السجع في عناوين الفصول من كتاب
ثم بيْنا أنت تقرأ له هذا في صفحة ٨٣ إذا بك تقرأ له في صفحة ٩٦ من نفس الفصل:(وكلام ابن الأثير يؤيد ما انتهينا إليه في أثناء هذا الفصل من أن بناء الجملة لم يخرج في جوهره عن السجع طوال القرن الثاني والثالث)! وابن الأثير صاحب المثل السائر عاش في أوائل القرن السابع، وكلامه لم يكن في تاريخ السجع متى ظهر وغلب، أو متى ضعف واختفى، ولكن كان في مدح السجع إذا استوفى شروطه؛ فكيف يمكن أن يكون ذلك في كلامه ذلك ما يؤيد ما انتهى إليه صاحب الكتاب في تاريخ السجع وتطوره؟ ثم إذا كان ما انتهى إليه صاحب الكتاب في أثناء الفصل هو (أن بناء الجملة لم يخرج في جوهره عن السجع طوال القرن الثاني والثالث) فكيف يمكن أن يكون السجع عاد يسترد قوته في أواخر القرن الثاني؟ أم كيف يستقيم أن يسمى السجع في القرن الثالث بدعة يلتمس لذيوعها الدليل؟ إن تلك الجملة التي لخص فيها صاحب الكتاب ما انتهى إليه لا تدع له محلاً للاستثناء في أمر السجع وذيوعه، لا من ناحية الزمن ولا من ناحية الكلام، فليس أشمل من