ناحية الكلام من أن بناء الجملة لم يخرج في جوهره عن السجع، وليس أكثر استغراقاً من ناحية الزمن من قوله إن ذلك كان طوال القرنين الثاني والثالث
فهذه نقطة واحدة بسيطة تضارب صاحب الكتاب فيها عدة مرات
على أننا إذا تركنا اضطراب صاحب الكتاب في السجع في القرون الثلاثة الأولى، وذهبنا إلى القرن الرابع الذي هو الأصل في بحثه، لم نجده فيه أقل اضطراباً ولا أكثر دقة وتحقيقاً
وأول ما تلقاه من فصل السجع والازدواج (صفحة ١١٣) أربعة أسطر يخبرك صاحب الكتاب في الأولين منها أنه بين لك أطوار السجع في النثر الفني، وأنك رأيت كتاب القرن الأول والثاني والثالث يتنقلون بين السجع والازدواج، ويذكر لك في السطرين الآخرين أن التزام السجع صار من خصائص نثر القرن الرابع، وأن كتابه لا يتحررون من السجع إلا إلى الازدواج! فإن كنت ترى فرقاً بين هذا الذي ذكر لك عن كتاب الرابع وذلك الذي أخبرك عن كتاب الأول والثاني والثالث كنت كبير النصيب من قوة الخيال، فإذا قرأت له عقب ذلك عن القرن الرابع قوله:(ولم يخرج من كتاب هذا العصر إلى الحرية في الصياغة الفنية إلا عدد قليل) عجبت أولاً كيف يكون التزام السجع من خصائص النثر الفني في القرن الرابع ويكون بين كتابه مطلقاً من يؤثرون الحرية في الصياغة الفنية، قلوا أو لم يقلوا، وعجبت ثانياً كيف ينبه صاحب الكتاب إلى الحرية الفنية في القرن الرابع دون القرون الثلاثة قبله، كأن القرن الرابع كان أقل التزاماً للسجع من تلك القرون
ثم تقرأ له بعد ذلك تقسيم كتاب القرن الرابع إلى طوائف ثلاث: طائفة تلتزم السجع وتزاوج قليلاً، وطائفة تؤثر الازدواج، وتسجع قليلاً، وطائفة تؤثر الحرية، فلا تسجع أو تزاوج إلا قليلاً. وقد عد لك من الأولى تسعة، منهم الخوارزمي ومن الثانية ثمانية منهم ابن العميد، ومن الثالثة سبعة منهم ابن مسكويه
فإذا قارنت بين عدد من عدّ لك من كتاب الطوائف الثلاث عجبت كيف وصف الطائفة الثالثة من قبل بالقلة وهي سبعة أثمان الثانية وسبعة اتساع الأولى إن كانت تلك الأرقام تتناسب مع اتساع كل طائفة كما ينبغي أن تكون. على أنه بعد ذلك قد زاد في الطائفة الثالثة حين عد منهم إخوان