ثم يأخذك عجب أشد حين تقرأ له في صفحة ١١٥:(وإذا نظرنا في نثر ابن العميد وجدنا الحرية غالبة عليه، ولكنا نراه يلتزم السجع أحياناً، كأن يقول. . .). ويأتيك بمثل كله سجع. يشتد عجبك حين تقرأ هذا، وتتساءل كيف أمكن أن يخطئ صاحب الكتاب هذا الخطأ، أو كيف أمكن أن يتراخى في التعبير إلى هذا الحد: يجعل ابن العميد على رأس الطائفة الثانية، ثم يقول إن الحرية تغلب عليه فيحشره مع الطائفة الثالثة! أي باحث هذا الذي يقسم فلا يحسن التقسيم، أو يطبق فلا يحسن التطبيق؟
فإذا خطر لك أن تستقري ما أورد صاحب الكتاب من نثر ابن العميد لترى إلى أي الطائفتين ينسبه في الحقيقة، انقلب عجبك سخرية بهذا الباحث الذي يجعل ابن العميد على رأس طائفة، ثم يدخله بالوصف في طائفة أخرى، ثم لا يورد له من شواهد نثره في كتابه بجزأيه إلا ما يخرجه من الطائفتين جميعاً ويلحقه بالطائفة الباقية! لأن ابن العميد في تلك الشواهد يسجع أكثر مما يزاوج، بل الازدواج قليل في تلك الشواهد بالنسبة إلى السجع، أما الحرية فليس له منها إلا أقل من القليل
وإذا كان هذا هو مبلغ تناقض صاحب النثر الفني في الحكم على نثر كاتب مشهور مثل ابن العميد، حتى فيما الحكم فيه سهل، فكيف يمكن أن يوثق أو يطمأن إلى حكمه على من ذكر أو لم يذكر من كتاب القرن الرابع أو غير القرن الرابع؟
الحق أن الرجل لا يحسن تقسيما ولا حكما، ولا استقراء ولا استنباطاً، وإن نادى على نفسه أنه باحث كبير يستطيع الخروج على الإجماع حتى في أمر القرآن