اختلاط المتصوفة بغلاة الشيعة القائلين بدعوى الحلول فنقلها عنهم متأخرو الصوفية الذين قال بعضهم بأن السالك إذا أمعن وتوغل وجاهد فعبر (لجة الوصول) وانتهى سلوكه إلى الله وفي الله واستغرق في بحار التوحيد وكان صادقاً في هذا السلوك؛ فإن الله (عند أصحاب هذه الدعوى) قد يحل فيه!
هذا وقد ظهر الاتحاد والحلول عند النصارى فقد قالوا بأن الله تعالى ثلاثة أقانيم هي الوجود والعلم والحياة وهي ما يعبر عنها (بالأب والابن والروح القدس) وتفصيل ذلك معلوم
كما أن هناك جماعة من غلاة الشيعة، رأوا جواز ظهور الله في صورة بعض الكاملين من الناس وقدموا بطبيعة الحال سيدنا علي على سائر الكاملين، كما قدموا أيضاً أولاد سيدنا علي
ولئن فرض علينا التحقيق العلمي دراستها كتراث عقلي إنه ليفرض علينا أيضاً التأمل في بطلانها والرد عليها وإنا لنقول بصدد الرد على دعوى الحلول والاتحاد
إن الله واجب والواجب يتنزه عن صفات الحلول وأن الحلول محال على الله تعالى لأسباب كثيرة؛ ذلك لأن القديم يختلف عن الحادث لاختلاف الماهية في كل منهما وهذا الاختلاف يوجب استحالة حلول القديم في الحادث
ثم إن الله واجب الوجود، وهذا الوصف ينفي الحلول، لأنه في حالة حدوثه يصبح الحال تابعاً لما حل فيه كما يصبح معلولاً لهذا المحل ومتأثراً به، بل إنه ليصبح في غير الإمكان تصور الحال إلا بتصور المحل! وإذن ينتفي الحلول في هذه المرة كما استحال في الأولى
ثم إن الله واجب الوجود، والواجب ليس عرضاً أو ليس جوهراً. فإذا كان الحلول حلول عرض في جوهر؛ فلا يمكن بالنسبة لله تعالى لأنه ليس بعرض، وإذا كان حلول جوهر في جوهر؛ فلا يمكن أيضاً لأن الله تعالى ليس بجوهر
. . . هذا من ناحية الحلول، أما من ناحية الاتحاد؛ فكما تنزه الواجب عن الحلول، فهو يتنزه عن الاتحاد، لأنه لو حدث أن اتحد الواجب يغيره نتج عن ذلك حالتان: إما أن يبقيا موجودين، وإما أن يدركهما العدم معاً ويخرج منهما ثالث أو يدرك لعدم أحدهما ويبقى الآخر