الأجراس في بلاد الأسبان قبل قرنين، وعن شعر رجل إيطالي ينظم القصائد قبل ستة قرون
وعندنا نحن في مصر ذخيرة كافية من المقترحين و (المهنكرين) الذين يقفون على أيدي المؤلفين ليعلموهم ما يكتبون وما لا يكتبون
فلماذا نبخل على الناس بحفنة من هذه الذخيرة الكافية تذكرهم ما نسوه، وتحاسبهم على ما فرطوا فيه، وتمر بالمداد الأسود على أسماء الكتب التي لا يجوز أن تكتب أو تطبع في سنة ١٩٤٤، لأنها ترجع إلى موضوعات في سنة ١٨٠٠ أو سنة ١٣٠٠ أو ما قبل ذلك بزمن يقصر أو يطول؟
لسبب واحد يصح أن نبخل على الناس بحفنة من تلك الذخيرة الكافية، وهو أنها ذخيرة مستغنى عنها في الأمم الصالحة كل الاستغناء، فيوشك أن تعود في السفينة التي ذهبت بها إلى الديار الإنجليزية، لتقترح بيننا ما تشاء في البلد الذي يحب المقترحات ويكره الأعمال
الأمم الصالحة تستغني عن تلك الذخيرة كل الاستغناء، لأنها تعلم أن المعرفة مطلوبة حيث كانت، وأن التاريخ قد خلق ليكتب عن الماضي البعيد والقريب، ولولا ذلك لما خلق التاريخ، وأن المؤلف يحاسب بشيء واحد وهو إحسان ما يكتب وإتقان ما يطرق من الموضوعات؛ فإن أحسن فهو مقبول نافع، وإن كتب عمل قبل الطوفان؛ وإن أساء فهو مرفوض غير نافع، وإن كتب عن موضوعات يومه ساعة بعد ساعة، ولم ينتظر بكتابته عن اليوم موعد الغروب
الأمم الصالحة لا تفهم تلك البدعة الزرية التي تجعل العقول البشرية مرهونة بالأفران والمطابخ، فلا تفكر ولا تكتب إلا في الطعام والشراب يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وعاماً بعد عام
وأقسم أن الذين يتفيهقون بتلك البدعة عندنا لا يفهمون كذلك ما يقولون، ولا يدرون أو لا يدري كثير منهم أنهم مسخرون لأغراض يساقون إليها وهم لا يشعرون
فالواقع أن الكتابة عن الماضي لا تبطل في زمن الأزمان، لأن الناس كانوا يعرفون أن التاريخ (ماض) حين اخترعوه وكتبوا فيه
وأن الكتابة عن النفس الآدمية وأسرارها في العظماء وغير العظماء تبطل في زمن