الأزمان، لأن التعريف بإنسان واحد هو تعريف بالنوع الإنساني كله من قديمه وحديثه وماضيه وآتيه، وهو معرفة ينمو بها العقل الذي تنميه كل معرفة في كل موضوع
ولكن الدعاة المغرضين للمذاهب الهدامة يكرهون الكتابة في بعض الأمور ولا يجسرون على الجهر بعلة الكراهة، لأنها تصرف عنهم الأسماع والعقول، فيحاولون الوصول إلى أغراضهم من طريق غير طريق العقول: من طريق المعدات والبطون
هاتوا الفتة! نحن لا نريد التاريخ ولا نريد النفس البشرية فتسمعهم البطون وإن لم تسمعهم العقول
أصحاب المذاهب الهدامة يكرهون الكتابة عن عمر ابن الخطاب وخالد بن الوليد وعن الأدب واللغة وتواريخ الأوطان وتواريخ الأديان
يكرهون الكتابة عن كل ما يحيى في الأمم نخوة وطنية أو نخوة روحية أو نخوة أدبية أو لغوية، لأنهم لا يريدون من الناس إلا أن يشعروا بطبقة واحدة تحارب جميع الطبقات ولا تجمعها بالآخرين جامعة دين ولا وطن ولا لغة ولا مطلب من المطالب الإنسانية التي تتجاوز الأجور والأسواق
يكرهون ذلك ولكنهم يخرسون دون الجهر بما يكرهون، فلا يقولون إنهم يكرهون الكتابة فيما يحيي الكرامة الوطنية أو الكرامة الروحية بل يصيحون: الفتة الفتة، والجوع الجوع، والحاضر الحاضر، لتعمى العيون وقت البطون كما يقولون
ومتى كانت (مشكلات اليوم) مانعة أن يفكر الناس في مقاصد المعرفة ومطالب النفس الإنسانية؟
ومتى كان الكلام في التاريخ وسير العظماء وأسرار النفس البشرية معطلاً لبحوث الزراعيين والصناعيين ودعاة الإصلاح الاجتماعي والعدالة الاجتماعية؟
هنا في مصر - ولا نقول في أوربا وأمريكا - تصدر بين الحين والحين كتب في الزراعة وتربية الحيوان ومستقبل النقد وقواعد المعاملات وأصول السياسة تزيد في العدد على كتب الأدب والتاريخ
فإن كان البحاثون الاقتصاديون لا يحسنون جمع الأرقام واستخلاص الحقائق التي يبنون عليها صلاح المجتمع المصري فقولوا لهؤلاء إنكم مقصرون وإنكم لا تكتبون فيما ينبغي