فإذا كان الأستاذ خشبة ينكر عليهم هذا الرأي فما عليه إلا أن يذكر دليلهم، ثم ينقضه بدليل مثله أو خير منه، وأن يفسر لنا الآيات التي استدلوا بها تفسيراً يبطل به رأيهم، وحينئذ نشكر له ذلك شكراً جزيلاً، ويكون هو أيضاً في غنى عن اتهامه إياهم هذه التهم المنكرة بغير حق
ولا بد أن الأستاذ خشبة قد قرأ كتاب التصوف الإسلامي للدكتور زكي مبارك، واطلع على ما نقله عن الجيلي من أن الله هو الهادي وهو المضل، وأن الضال متحقق بصفة الضلال كما أن المهتدي متحقق بصفة الهداية، وأنهما أمام الله سواء، كما هو مذكور في رسائل التعليقات أيضاً. وهذا صريح في أن تساويهما إنما يكون أمام الله، أي بالنسبة إلى الله، لا بالنسبة إلينا
إلا أن الدكتور زكي مبارك حفظه الله لم ينتبه إلى أن هذا التساوي إنما هو بالنسبة إلى الله فقد، فلذا أخذ في كتابه يتخوف منه على الشريعة والديانة، والدولة والقوانين والأنظمة، بما هو مذكور في كتاب التصوف الإسلامي ولا حاجة إلى ذكره هنا. ونحن في رسائل التعليقات قد أوضحنا للدكتور زكي مبارك أن هذه المخاوف واقعة في غير محلها، بما لا حاجة إلى تكراره هنا
ولو أن الأستاذ خشبة قرأ رسائل التعليقات واطلع على ما كتبناه في رد هذه المخاوف، لما وجه هذه التهم إلى الصوفية الأبرياء، ولعلم أن القول بتساوي المتضادات، لا يصادم أحكام الشرع، ولا يستلزم الفوضى، ولا يجعل الدعارة في الناس كالتقوى، ولا الرذيلة منهم كالفضيلة، ولكن اتباع الهوى، هوى النفس هو الذي حمله على هذا التهويل والتشنيع، حتى نثل ما في كنانته في تهم منكرة على صدور هؤلاء الأبرياء
ومن المعلوم أنه قد انتسب إلى الصوفية في الأزمنة الماضية أناس ليسوا منهم، فكانوا ولم يزالوا في التصوف أدعياء، وبالصوفية لصقاء، وكثروا في البلاد حتى كانت لهم الزوايا والرباطات والخانقاهات، وانتشرت بدعتهم حتى كتب في ذمهم وتوهينهم ما كتب بعض المتحمسين من علماء الدين كابن تيمية وابن القيم وغيرهما
ولا ريب أن هؤلاء ليسوا من الصوفية في العير ولا في النفير، وقد تكلم عنهم الرصافي