به، فإنكم لا تجدون من يجيبكم بنعم. على أنكم لو كنتم قرأتم رسائل التعليقات بإحاطة واستقصاء، لعلمتم أن الرصافي يخالف الصوفية في بعض أقوالهم، وينكر عليهم بعضها، وإن وافقهم في كثير منها، لا سيما وحدة الوجود
فالرصافي لم يتكلم في رسائل التعليقات عن وحدة الوجود دعاية للتصوف، وإنما تكلم عنها بمناسبة مطالعته كتاب (التصوف الإسلامي) للدكتور زكي مبارك يقصد الاستفادة منه، لأنه منذ أيام الصبا مولع بمباحث التصوف، وإن لم يكن هو من الصوفية
وإذا كان هذا هكذا فماذا يريد الأستاذ بقوله إن الرصافي يدعونا إلى دين جديد، وأي دين يعني، وكل من قرأ الرسائل علم أن الرصافي غير داع إلى شيء، وإنما هو فيما كتبه هناك موضح وشارح ومفسر لا غير، ولكن الأستاذ أراد التهويل والتشنيع عند العامة فقال هذا القول المخالف للحقيقة من دون مبالاة، فالظلم غفرا
الثاني: يظهر من الكلمة الأخير التي كتبها الأستاذ خشبة في (الرسالة) رداً على رسائل التعليقات، أنه يتهم الصوفية أهل وحدة الوجود كلهم، لا الرصافي وحده، بأنهم زنادقة وأنهم إباحيون، وأنهم مثل القورينيين من تلامذة سقراط ينشدون اللذة، واللذة الجنسية الخسيسة على وجه الخصوص (وأنهم يقولون بأن الهداية والضلال واحد، وأن التقى والدعارة صنوان، وأن المصير واحد) إلى غير ذلك من الأقوال التي ذهبت مشرقة والصوفية مغربون، وهم منها بريئون، وعنها بعيدون
إن في هذه الأراجيف لدليلاً آخر على أن الأستاذ لم يقرأ رسائل التعليقات، بل مر بها الخطَفى، فثارت به حميته الدينية، لا ثقافته العلمية، فأخذ يقول هذه الأقوال جزافاً، ويرمي الكلام على عواهنه رمياً من دون تأن ولا تثبيت
ولننظر في الذي دعا الأستاذ إلى هذه التهم ما هو، فنقول: لما كان الصوفية يقولون، كل ما وقع في هذا الكون فهو حق، وأنه لا باطل إلا المحال كما هو مذكور في رسائل التعليقات، تساوت عندهم المتضادات، فالشر كالخير والضلال كالهدى كلاهما حق، لأنه واقع، ولو كان باطلاً لما وقع، لأن الباطل هو المحال الممتنع الوقوع. ولكن هذا التساوي في المتضادات، إنما هو بالنسبة إلى الوجود الكلي أي إلى ذات الله، لا بالنسبة إلينا، فذات الله في رأيهم لا يصدر عنها الباطل، بل كل ما صدر عنها فهو حق، وهم يستدلون على ذلك