الماء. فالوجود واحد، وهو وجود الماء، والموجة لا وجود لها وإنما هي صورة قائمة بالماء
فإن كان الأستاذ خشبة يرى قول هذا الفيلسوف اليوناني منطبقاً على وحدة الوجود، فهذه ليست بوحدة الوجود التي قال بها الصوفية في الإسلام
ثم نقل الأستاذ في رقم (١٠) بعض أقوال الذريين في فلاسفة اليونان، فذكر عن (أناجزاجوراس) أنه كان يقول بتعدد العناصر، وبوجود قوة عاقلة مدبرة حكيمة هي (العقل) تتولى تحريك تلك العناصر، وتوجيهها وجهة عالية صالحة تضمن جمال الكون ونظامه، إلا أنه يعتقد قدم العقل والعناصر على السواء، وأن أحدهما لم يخلق الآخر، وإن حرك العقل العناصر وألف معها وحدة الوجود
فنقول حق لنا أن نتمثل هنا بالمثل القائل:(صرحت بجدان)، فإن قول هذا الفيلسوف مصرح عن وجودين قديمين. فأي معنى يبقى لقوله في الجملة الأخيرة:(وإن حرك العقل العناصر وألف معها وحدة الوجود). وكيف يصح تأليف الوحدة من وجودين قديمين، وكيف يصح من الأستاذ أن يعتبر هذا الفيلسوف قائلا بوحدة الوجود. نعود هنا فنقول إن الصوفية يقولون بالوجود الكلي المطلق اللانهائي، وإنه لا موجود في الحقيقة سواه، وإن جميع الكائنات ليس لها وجود حقيقي مستقل عن الوجود الكلي، وإنما هي مظاهر للوجود الكلي، وصور قائمة به قيام صور الأمواج بماء البحر
نكتفي من تلك الأقوال التي ذكرها الأستاذ بهذين القولين تاركين التعرض لغيرهما، لأنهما يحومان بعض الحوم حول نظرية وحدة الوجود، وإن كان بينهما بون بعيد جداً
هذا ما نريد أن نقوله الآن للأستاذ خشبة، وقد بقى أمران لا بد من التعرض لهما، الأول أننا نرى الأستاذ خشبة في مقالاته يتهم الرصافي بأنه (يدعونا إلى دين جديد). فعلى هذا نقول:
إن الرصافي في رسائل التعليقات لم يجيء مقرراً لمبدأ، ولا واضعاً لمذهب، وإنما تكلم عن وحدة الوجود التي قال بها كبار الصوفية من قديم الزمان، فأوضحها وشرح غوامضها، وكشف النقاب عن وجهها، وهو في كل ما قال عنها منتهج مناهج الصوفية الذين يعبر هو عنهم (بفلاسفة الإسلام)،
سلوا من شتم ممن عرفوا الرصافي من قريب أو بعيد، هل ادعى التصوف أو هل تظاهر